تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة خبرًا مفاده أن العراق يحظر السجائر الإلكترونية بشكل كامل. لكن حتى هذه اللحظة، لم يصدر أي بيان رسمي على موقع مجلس النواب يؤكد أو يوضح تفاصيل هذا القرار المنتظر.
رغم غياب التصريح الرسمي، إلا أن موقع “Tobacco Reporter” نقل عن مسؤولين في وزارة الصحة العراقية نيتهم فرض حظر شامل على استيراد وتوزيع وبيع السجائر الإلكترونية في البلاد، وذلك ضمن حملة وطنية أوسع تهدف للحد من أضرار التبغ وحماية الصحة العامة، خصوصًا فئة الشباب.
خلفية الحظر : دوافع صحية وتنظيمية
بحسب المصدر، صرّح الدكتور وسيم كيلاني، نائب مدير البرنامج الوطني لمكافحة التبغ، بأن السجائر الإلكترونية تمثل مصدر قلق متزايد بسبب انتشارها السريع بين الفئات العمرية الشابة، لا سيما المراهقين. وأشار إلى أن التصاميم الجذابة والنكهات المختلفة تجعل هذه المنتجات مغرية للأطفال والمراهقين، مما قد يؤدي إلى الإدمان على النيكوتين في سن مبكرة.
الكيلاني يرى أن الأجهزة الإلكترونية لتبخير النيكوتين قد تؤثر على وظائف الدماغ والنمو المعرفي لدى المستخدمين صغار السن، وهو ما دفع وزارة الصحة إلى إدراجها ضمن مشروع قانون جديد يُعرف باسم “قانون الحماية من الآثار الضارة للتبغ”، والذي يتضمن أيضًا آليات تنفيذ صارمة تشمل فرض غرامات، مصادرة الأجهزة، ومساءلة قانونية للمخالفين.
هذا التوجه الجديد يأتي بعد أسابيع قليلة من إعلان مشروع “قانون مكافحة التبغ” الجديد في العراق، الذي تكلمنا عنه سابقًا على موقعنا بتاريخ 15 أبريل 2025. القانون يهدف إلى تنظيم شامل لسوق النيكوتين، ولا يقتصر على السجائر التقليدية فحسب، بل يشمل جميع منتجات التبغ والنيكوتين، بما في ذلك السجائر الإلكترونية والسوائل الخاصة بها.
يتضمّن المشروع بنودًا حازمة، من بينها حظر التدخين في الأماكن العامة والمغلقة مثل المؤسسات الحكومية، والمدارس، والجامعات، والمساجد، إضافة إلى منع التدخين داخل المركبات الخاصة التي تقلّ الأطفال. كما يفرض القانون غرامات مالية قد تصل إلى 50 ألف دينار عراقي على المخالفين، ويشترط وجود لاصق جمركي معتمد على جميع منتجات التبغ المستوردة، بما في ذلك منتجات الفيب.
كذلك يشمل القانون حظرًا شاملًا لأي نوع من الإعلانات أو الترويج التجاري لمنتجات تحتوي على النيكوتين، سواء عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل.
السجائر الإلكترونية: نظرة علمية وواقعية
بينما تبدو نوايا الحكومة العراقية متمحورة حول حماية الصحة العامة، إلا أن الحظر الكامل لـ السجائر الإلكترونية قد يُفهم على أنه تجاهل الدور الإيجابي الذي لعبته هذه المنتجات في دول أخرى ساعدت فيها ملايين الأشخاص على الإقلاع عن التدخين التقليدي.
تشير دراسة أجرتها هيئة الصحة العامة البريطانية إلى أن السجائر الإلكترونية أقل ضررًا بنسبة تصل إلى 95% مقارنة بالسجائر التقليدية. هذا الرقم، الذي أصبح مرجعًا عالميًا، يستند إلى مراجعات شاملة للبحوث العلمية التي تقوم بمقارنة الفيب بالتدخين الناتج عن احتراق التبغ.
ولم يتوقف الأمر عند الأمان النسبي فقط، بل أثبتت مراجعة كبرى أجرتها مجموعة “كوكرين” العلمية أن السجائر الإلكترونية تُعد من بين أفضل ثلاث وسائل فعالة لمساعدة المدخنين على الإقلاع. الدراسة قارنت بين السجائر الالكترونية وبدائل النيكوتين التقليدية كالعلكة واللصقات، ووجدت أن الفيب يزيد من فرص الإقلاع عن التدخين.
التجارب الدولية : بين التنظيم والتشجيع
دول كالمملكة المتحدة ونيوزيلندا وحتى دول الجوار اعتمدت مقاربة مختلفة تمامًا عما يُقترح الآن في العراق. فبدلًا من الحظر، قامت هذه الدول بتنظيم سوق السجائر الإلكترونية بصرامة، مع فرض معايير على جودة المنتجات، والتحكم في النكهات، وحظر البيع للقاصرين، لكن دون حرمان المدخنين من فرصة الحصول على وسيلة أقل ضررًا تساعدهم على الإقلاع.
النتائج كانت مشجعة إذ سجلت المملكة المتحدة تراجعًا في معدلات التدخين إلى أدنى مستوياتها منذ بدء التسجيل الإحصائي، وذلك بفضل دمج استراتيجيات “الحد من أضرار التبغ” في سياسات الصحة العامة.
ولكن يبقى السؤال المطروح اليوم في العراق: هل الحظر الكامل أداة فعالة فعلاً؟ أم أنه سيفتح الباب أمام سوق سوداء غير خاضعة للرقابة، حيث تنتشر منتجات غير آمنة مصنّعة دون معايير واضحة
التجارب حول العالم تشير إلى أن الحظر عادة لا يؤدي إلى اختفاء المنتج من السوق، بل فقط إلى خروجه من دائرة التنظيم، مما يزيد من المخاطر بدلًا من تقليصها. وفي بلد يعاني من ضعف في تنفيذ القوانين ووجود شبكات تجارة غير رسمية، قد يؤدي هذا القرار إلى نتائج عكسية تمامًا.
الحاجة إلى توازن مدروس
في ظل التحركات التشريعية الحالية في العراق، يصبح من الضروري أن تتبنى السياسات الصحية العامة نهجًا متوازنًا يدمج بين الحماية والواقعية. لا يمكن إنكار أن حماية الأطفال والمراهقين من الإدمان على النيكوتين هو هدف مشروع ومطلوب، ولكن بالمقابل لا ينبغي أن يؤدي هذا إلى تجاهل حقيقة أن السجائر الإلكترونية قد أثبتت فعاليتها في تقليل أضرار التدخين، ووفرت وسيلة أقل ضررًا لـ الملايين من المدخنين البالغين حول العالم.
بدلًا من فرض الحظر الكامل، يمكن للحكومة العراقية أن تنظر في خيارات تنظيمية ذكية تسمح بمراقبة هذا القطاع المتنامي بدل تركه في الظل. التنظيم الفعّال يشمل، على سبيل المثال، تحديد عمر قانوني لشراء واستخدام هذه المنتجات، ومراقبة جودة السوائل والأجهزة. هذه الاستراتيجية لا تقلل فقط من المخاطر الصحية، بل تعزز أيضًا من قدرة الدولة على التدخل عند ظهور أي مشكلات متعلقة بهذه المنتجات.