في مشهد عربي ما زال يشهد الكثير من الجدل حول السجائر الإلكترونية ودورها في الإقلاع عن التدخين، يأتي استبيان محلي تونسي جديد ليكشف عن واقع مختلف وأكثر نضجاً مما كان متوقعاً. تشير البيانات إلى أن عدداً كبيراً من الجمهور يرى أن السجائر الإلكترونية قد تساعد فعلياً على الإقلاع عن التدخين، وهو ما يعكس مستوى لافتاً من الوعي العام مقارنة بدول مجاورة ما زال الخلط المفاهيمي يسيطر فيها على الصورة.
هذه النتائج لا تعني فقط أن التونسيين باتوا أكثر انفتاحاً على بدائل أقل ضرراً، بل تشير أيضاً إلى أن الشارع التونسي بدأ يدرك (ولو بشكل تدريجي) الفارق الجوهري بين احتراق التبغ وبين توصيل النيكوتين بطرق مختلفة.
ما يعزز أهمية هذا التطور هو أنه يتماشى مع ما أثبتته بالفعل مراجعات علمية دولية مرموقة مثل مراجعة كوكرين التي تؤكد فعالية السجائر الإلكترونية في مساعدة المدخنين على التوقف.
رأي عام يتجه نحو بدائل أقل ضرراً
على خلاف الصورة النمطية التي تتكرر في كثير من البلدان العربية، يأتي هذا الاستبيان ليقدم نتائج إيجابية وواعدة حول إدراك الشعب التونسي للسجائر الإلكترونية. فقد كشف الاستبيان أن عدد كبير من المشاركين يعتقدون أن السجائر الإلكترونية يمكن أن تساعد على الإقلاع عن التدخين، وهي نتيجة ذات دلالة ثقافية واجتماعية مهمة.
هذا الانطباع الشعبي لا يمكن تجاهله، فهو يشير إلى أن قطاعاً واسعاً من التونسيين أصبح يدرك أن الإقلاع لا يعني بالضرورة “الابتعاد الفوري عن النيكوتين”، بل “الابتعاد عن الاحتراق” الذي يمثل السبب الأساسي لأمراض التدخين. كثيرون من المشاركين في الاستبيان أعربوا عن معرفتهم بأن ضرر السجائر التقليدية يرتبط بالمواد الناتجة عن الاحتراق، وليس بالنيكوتين وحده، وهو فهم متقدم مقارنة ببلدان ما زالت تعتبر النيكوتين العدو الرئيسي.
اللافت أيضاً أن النتائج تكشف عن اتجاه اجتماعي إيجابي نحو تقبل بدائل أقل ضرراً، حتى إن لم يكن استخدامها منتشراً بعد على نطاق واسع. فالمعرفة (وليس فقط التجربة) تلعب هنا دوراً أساسياً، وتشير إلى وجود وعي مبدئي يتطور بمرور الوقت، خصوصاً لدى الشباب والطبقات الأكثر تعرضاً للمحتوى العلمي عبر الإنترنت.
هذه النتائج لا تقول إن الجمهور يمتلك فهماً علمياً مثالياً، لكنها تثبت أن الوعي التونسي يتحرك في الاتجاه الصحيح: فهم أن السجائر الإلكترونية ليست مجرد “موضة”، بل خيار واقعي لمن يبحث عن وسيلة عملية للإقلاع المدعوم علمياً.
كيف تتقاطع هذه النتائج مع الأدلة العلمية؟
حين نقارن رأي الجمهور التونسي بالأدلة العلمية العالمية، نكتشف أن هذا الاعتقاد (بأن السجائر الإلكترونية تساعد على الإقلاع) ليس اعتقاداً عشوائياً ولا مبنياً على تجارب فردية فقط. بل هو اتجاه يتوافق تماماً مع ما أثبتته أقوى مراجعات علمية في العالم: مراجعة كوكرين.
مراجعات كوكرين لعامي 2024 و 2025، والتي تُعد المعيار الذهبي في تقييم الأدلة قد خلصت إلى أن السجائر الإلكترونية أكثر فاعلية في مساعدة المدخنين على الإقلاع مقارنة ببدائل النيكوتين التقليدية كاللصقات والعلكة.
دراسة كوكرين : تؤكد على أن السجائر الالكترونية أكثر فعالية من بدائل النيكوتين الأخرى
تشير مراجعات كوكرين إلى أن السجائر الإلكترونية تزيد احتمالات الإقلاع مقارنة ببدائل النيكوتين التقليدية بنسبة تتراوح بين 50% و70%، وفق بيانات تجارب سريرية متعددة.
هذا يعني أن نسبة كبيرة من الشارع التونسي أدرك الحقيقة قبل أن يطّلع على الدراسات المتخصصة. ففي حين يعتمد بعض الجمهور على التجارب الشخصية أو قصص الأقارب الذين نجحوا في الإقلاع عبر الفيب، تأتي كوكرين لتوفر الطبقة العلمية التي تؤكد صحة هذا الاتجاه.
الأهم أن مراجعة كوكرين تميّز بين النيكوتين كعامل إدمان، وبين الاحتراق كعامل خطر صحي أساسي.
وهذا بالضبط ما بدأ الجمهور التونسي بفهمه: أن تقليل الضرر ممكن، وأن الانتقال من الاحتراق إلى البخار قد يكون خطوة أولى مهمة نحو الإقلاع الكامل.
بهذا المعنى، فإن الدراسة التونسية لا تكشف فقط رأياً عاماً إيجابياً، بل تكشف وعياً يتقاطع مع أعلى مستويات الأدلة الطبية المتاحة اليوم.
خلاصة القول : تونس تقدّم نموذجاً عربياً
تكشف الاستبيان المحلي التونسي أن الرأي العام يسير بخطى ثابتة نحو فهم أكثر واقعيا وحداثة لدور السجائر الإلكترونية. فبدلاً من الصورة التقليدية التي تساوي بين الفيب والتدخين، تُظهر هذه البيانات أن التونسيين باتوا أكثر قدرة على فهم مفهوم تقليل الضرر وأنهم ينظرون إلى الفيب كأداة حقيقية يمكن أن تساهم في التوقف عن استخدام التبغ القابل للاحتراق.
وعندما نقارن هذه النتائج مع الأدلة العلمية وعلى رأسها مراجعات كوكرين، نجد أن تونس ليست مجرد حالة محلية، بل نموذجاً عربياً فريداً في إدراك أن الإقلاع ممكن عبر بدائل أقل ضرراً، وأن التطور في وعي الجمهور يحدث حتى قبل إطلاق برامج توعية رسمية واسعة النطاق.
هذه النتائد لا تخبرنا بأن الفيب “خالي من المخاطر”، ولا تدّعي ذلك. لكنها تقول شيئاً مهماً:
الجمهور التونسي بدأ يميّز بين الاحتراق والنيكوتين، بين التبغ والبدائل، وبين الخوف والمعلومة.
وبالنسبة لنا فإن هذه النتائج تمثل فرصة لتسليط الضوء على وعي عربي يتقدم، لا يتراجع، وعي ينسجم مع الأدلة العلمية، ويستحق أن يُبنى عليه في النقاش العام حول مستقبل الإقلاع عن التدخين في المنطقة.





