رغم التغير الطفيف في النبرة، لا تزال منظمة الصحة العالمية متمسكة بموقفها المتشدد ضد السجائر الإلكترونية في تقريرها لعام 2025، متجاهلة أحدث التقدمات العلمية حول الحد من المخاطر والإقلاع عن التدخين.

التقرير باختصار :

  • في تقريرها الأخير، تواصل منظمة الصحة العالمية انتقاد السجائر الإلكترونية.
  • تدّعي المنظمة أن الفيب يؤدي إلى التدخين التقليدي، رغم وجود العديد من الأدلة العلمية تُظهر العكس.
  • ومع ذلك، يبدو أنها خففت من لهجتها بشأن أضرار السجائر الإلكترونية على الصحة.

تواصل المنظمة موقفها : الحرب على السجائر الإلكترونية

من 23 إلى 25 يونيو الماضي، انعقد في دبلن (أيرلندا) الذكرى العشرون للاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ (CCLAT). واغتنمت منظمة الصحة العالمية هذه المناسبة لتقديم تقريرها الأخير حول وباء التدخين العالمي (تقرير منظمة الصحة العالمية حول وباء التبغ العالمي، 2025)، ولانتقاد السجائر الإلكترونية.

في القسم المخصص لها (ص. 104-112)، يتضح الموقف منذ السطر الأول: تدعو منظمة الصحة العالمية “الأطراف إلى النظر في تطبيق تدابير تنظيمية (…) بهدف حظر أو تقييد تصنيع، واستيراد، وتوزيع، وعرض، وبيع، واستخدام السجائر الإلكترونية.”

تحت العنوان الفرعي: “السجائر الإلكترونية مسببة للإدمان وضارة”، توضح المنظمة أن سوائل السجائر الإلكترونية المستخدمة في أجهزة التبخير الشخصية “تحتوي على النيكوتين بالإضافة إلى العديد من الإضافات، والنكهات، والمواد الكيميائية، والتي يكون بعضها سامًا للصحة.” دون تقديم أي توضيح إضافي بشأن تلك المركبات. كما أن هذا القسم لا يتضمن أي مرجع علمي. وهو ما قد يفسر، ربما، لماذا لم تتوسع المنظمة في هذا الموضوع، وانتقلت سريعًا إلى التركيز على النيكوتين، واصفةً إياه بأنه “شديد الإدمان (…) خصوصًا لدى الأطفال والمراهقين.”

حجج واهية و أدلة ضعيفة

يُبرز التقرير استخدام القاصرين للسجائر الإلكترونية في أولى فقراته، على الرغم من العديد من البيانات الميدانية التي تُظهر أنه ليس فقط أن الشباب الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية ليسوا بهذا العدد الكبير، بل إن السجائر الإلكترونية تلعب دورًا في صرفهم عن التدخين التقليدي. بمعنى آخر، الشباب الذين يستخدمون الفيب لا يدخنون السجائر، وهم يستهلكون منتجًا تقل أضراره الصحية عن السجائر التقليدية.

بيانات من هذا النوع موجودة في تقارير منظمة الصحة العالمية نفسها، ومع ذلك فإنها لا تمنعها من الاستنتاج بأن “استخدام السجائر الإلكترونية يزيد من احتمال البدء في تدخين السجائر التقليدية، خصوصًا لدى الشباب غير المدخنين.” وهي النظرية القديمة المعروفة باسم “نظرية البوابة“، وهذه المرة يتم تبريرها بدراسة واحدة.

ماذا تقول الدراسة التي استشهدت بها المنظمة؟

على غير العادة، وبعد أن استشهدت طويلًا بدراسة الباحث الأمريكي ستانتون غلانتز رغم سحبها، اختارت منظمة الصحة العالمية هذه المرة دراسة ذات منهجية متينة.

تتمثل هذه الدراسة في تحليل تلوي تناول العلاقة بين استخدام السجائر الإلكترونية لدى الشباب الذين لم يسبق لهم التدخين، واحتمال تحولهم إلى مدخنين لاحقًا. بمعنى آخر، تساءلت الدراسة عمّا إذا كان الفيب يؤدي إلى التدخين التقليدي.

ورغم القوة المنهجية الظاهرة (شملت 25 دراسة، وتطبيق العديد من معايير الإدراج والاستبعاد، وتقييم مزدوج مستقل من باحثَين، إلخ)، فإن هذه الدراسة تعاني من عدد من القيود التي يبدو أن منظمة الصحة العالمية لم ترغب في تسليط الضوء عليها، ولا حتى في أخذها بعين الاعتبار:

  • “كان هناك تغاير كبير في التحليل التلوي، لم يتم تفسيره من خلال تحليل المجموعات الفرعية، مما يدل على أن أسباب التفاوت لا تزال مجهولة.” – أي أن الباحثين لاحظوا نتائج مختلفة كثيرًا بين الدراسات دون تفسير لهذا التفاوت.
  • “على الرغم من الجهود المبذولة لاختيار نتائج تحكمت في العوامل المربكة المحددة مسبقًا، فإن تقييد النتائج لتلك التي تحكمت فقط في هذه العوامل لم يكن ممكنًا دائمًا. ونتيجة لذلك، كانت هناك اختلافات بين الدراسات من حيث الخصائص التي تم التحكم فيها.” – أي أن الدراسات لم تكن متساوية في قدرتها على استبعاد العوامل الخارجية المؤثرة.
  • “قد تكون البيانات في الدراسات المشمولة خاضعة لتحيز في الإبلاغ نتيجة لجمع البيانات بطريقة التصريح الذاتي.” – وهو ما يضعف موثوقية النتائج بشكل عام.
  • “نتائجنا مماثلة، وإن كانت أضعف قليلاً، لتلك التي وردت في دراسة Khouja وآخرين، حيث وُجد ارتباط كبير بين استخدام السجائر الإلكترونية بين غير المدخنين والتدخين لاحقًا.” – ويُلاحظ استخدامهم لعبارة “ارتباط” وليس “سببية”.

ما جعل منظمة الصحة العالمية ربما تجد ضالتها في هذه الدراسة، هو أن الباحثين – رغم كل هذه القيود – لم يترددوا في الاستنتاج بأن “على حكومات العالم اتخاذ إجراءات عاجلة لتنظيم توافر وتسويق منتجات السجائر الإلكترونية، سواء كانت تحتوي على النيكوتين أو لا، للأطفال والمراهقين.” وهو استنتاج ينذر بالخطر، رغم الاعتراف بقيود الدراسة.

ما معنى العوامل المربكة؟

يمكن تشبيه العامل المربك بمجرم مزيف في تحقيق جنائي. في حالتنا، نلاحظ مراهقين يستخدمون الفيب ثم يدخنون لاحقًا. قد نتوصل هكذا بسهولة إلى أن الفيب هو السبب. لكن هل الأمر بهذه البساطة؟

لنفترض وجود مراهقَين اثنين:. أحدهما متمرد، يتحدى السلطة، ويحب المخاطرة. أما الاخر فهو هادئ، متفوق دراسيًا، وله أبوين صارمين.

من الأرجح أن يقوم الاول بتجربة الفيب. ومن المحتمل أيضًا أن يجرب التدخين لاحقًا. لكن هل هذا التصرف ناتج عن استخدام الفيب؟ أم أن شخصيته المتمردة دفعته إلى السلوكين؟

في الواقع، هناك العديد من العوامل المؤثرة: هل الوالدين لهم تاريخ في التدخين ام لا؟ هل أصدقائهم مدخنون؟ ما حالتهم النفسية؟ هل يشعرون بالضغط أو يعانون من مشاكل أسرية؟

كل هذه العوامل يمكن أن تفسر سبب شروع بعض المراهقين في التدخين. ليس بالضرورة أن الفيب هو السبب المباشر، قد يكون مجرد أحد المظاهر في مسار أكثر تعقيدًا. وهذه العوامل المربكة لا يمكن دائمًا التحكم بها في هذه الدراسات. وهذا ما يُضعف ليس فقط نتائج الدراسة التي استشهدت بها منظمة الصحة العالمية، بل أيضًا نتائج جميع الدراسات المشمولة في التحليل التلوي.

ماذا لو فتحت منظمة الصحة العالمية أعينها أخيرًا؟

رغم البداية الحادة والتي اتسمت بأسلوب الهجوم، جاءت الفقرة التالية مفاجئة.

في مواقفها السابقة، لم تتردد منظمة الصحة العالمية في الحديث عن أضرار الفيب الصحية. ففي بيان صحفي نُشر عام 2023، دعت إلى “تحرك عاجل” ضد السجائر الإلكترونية، وزعمت أن “المواد السامة التي تنتجها السجائر الإلكترونية قد تسبب السرطان وتزيد من خطر مشاكل القلب والرئة.” وكانت هذه التحذيرات تفتقر إلى أسس علمية متينة، حيث استندت إلى دراسات ضعيفة تم سحب بعضه وإلغائها، و تناقضت مع العديد من الدراسات التي أظهرت أن سُمية الفيب أقل بكثير من سُمية التدخين التقليدي.

أما في التقرير الذي قُدّم مؤخرًا في دبلن، فاكتفت المنظمة بالقول إن “السجائر الإلكترونية تُقدَّم غالبًا كبديل أقل ضررًا من السجائر التقليدية؛ ولكن، حتى اليوم، لم يُثبت أن تسويقها قد جلب فائدة حقيقية للصحة العامة.” وهو تحول جذري في النبرة. فهل تكون المنظمة قد بدأت ترى الواقع أخيرًا؟

فيما يتعلق بالأضرار، ربما. لكن عندما يتعلق الأمر بفعاليتها في الإقلاع عن التدخين، فالوضع مختلف. لا تزال المنظمة تدعو الدول إلى “حماية العامة من الادعاءات المضللة أو الكاذبة، مثل الادعاءات الزائفة بشأن أمان السجائر الإلكترونية أو فعاليتها في المساعدة على الإقلاع عن التدخين.” وقد نضطر للانتظار خمس سنوات أخرى حتى تتغير وجهة نظر المنظمة.

وللتذكير، هناك تحليل تلوي أجرته منظمة كوكرين المرموقة عالميًا، خلص إلى أن الفيب أكثر فاعلية بمرتين في الإقلاع عن التدخين مقارنة ببدائل النيكوتين التقليدية مثل اللصقات أو العلكة. وقد اعتمد هذا الاستنتاج على تحليل 90 دراسة. لكن يبدو أن منظمة الصحة العالمية لم تطلع بعد على هذا التقرير.

فإلى متى ستظل تتجاهل الحقائق؟

المصادر :

1 WHO report on the global tobacco epidemic, 2025: warning about the dangers of tobacco. يمكنك تحميل الملف من هنا

2 Drugs and addictions, key figures – 2025 – OFDT. يمكنك تحميل الملف من هنا

3 Drugs and addictions, key figures – 2025 – OFDT. يمكنك تحميل الملف من هنا

4 Holt, N. M., Shiffman, S., Black, R. A., Goldenson, N. I., Sembower, M. A., & Oldham, M. J. (2023). Comparison of biomarkers of exposure among US adult smokers, users of electronic nicotine delivery systems, dual users and nonusers, 2018–2019. Scientific Reports, 13, 7297. https://doi.org/10.1038/s41598-023-34427-x

5 Goniewicz, M. L., Gawron, M., Smith, D. M., Peng, M., Jacob, P., & Benowitz, N. L. (2017). Exposure to nicotine and selected toxicants in cigarette smokers who switched to electronic cigarettes: A longitudinal within-subjects observational study. Nicotine & Tobacco Research, 19(2), 160-167. https://doi.org/10.1093/ntr/ntw160

6 Shahab, L., Goniewicz, M. L., Blount, B. C., Brown, J., McNeill, A., Alwis, K. U., Feng, J., Wang, L., & West, R. (2017). Nicotine, carcinogen, and toxin exposure in long-term e-cigarette and nicotine replacement therapy users: A cross-sectional study. Annals of Internal Medicine, 166(6), 390-400. https://doi.org/10.7326/M16-1107

7 Nutt, D. J., Phillips, L. D., Balfour, D., Curran, H. V., Dockrell, M., Foulds, J., Fagerstrom, K., Letlape, K., Milton, A., Polosa, R., Ramsey, J., & Sweanor, D. (2014). Estimating the harms of nicotine-containing products using the MCDA approach. European Addiction Research, 20(5), 218-225. https://doi.org/10.1159/000360220

8 Stephens, W. E. (2018). Comparing the cancer potencies of emissions from vapourised nicotine products including e-cigarettes with those of tobacco smoke. Tobacco Control, 27(1), 10-17. https://doi.org/10.1136/tobaccocontrol-2017-053808

9 Polosa, R., Rodu, B., Caponnetto, P., Maglia, M., & Raciti, C. (2013). A fresh look at tobacco harm reduction: The case for the electronic cigarette. Harm Reduction Journal, 10, 19. https://doi.org/10.1186/1477-7517-10-19

10 Taylor, E., Simonavičius, E., McNeill, A., Brose, L. S., East, K., Marczylo, T., & Robson, D. (2024). Exposure to tobacco-specific nitrosamines among people who vape, smoke, or do neither: A systematic review and meta-analysis. Nicotine & Tobacco Research, 26(3), 257-269. https://doi.org/10.1093/ntr/ntad156

11 Hartmann-Boyce J, McRobbie H, Lindson N, Bullen C, Begh R, Theodoulou A, Notley C, Rigotti NA, Turner T, Butler AR, Hajek P. Electronic cigarettes for smoking cessation. Cochrane Database of Systematic Reviews 2020, Issue 10. Art. No.: CD010216. DOI: 10.1002/14651858.CD010216.pub4.

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية