في خطوة تُعد الأولى من نوعها في قطر والمنطقة، أعلن مركز مكافحة التدخين التابع لمؤسسة حمد الطبية، والمعتمد من منظمة الصحة العالمية، عن إطلاق دراسة إكلينيكية رائدة تهدف إلى تحديد أنجع الوسائل لمساعدة الأفراد على الإقلاع عن تدخين الشيشة.
أطلق مركز مكافحة التدخين التابع لمؤسسة حمد الطبية والمعتمد من منظمة الصحة العالمية دراسة إكلينيكية رائدة تهدف إلى تحديد أكثر أساليب العلاج فعالية لمساعدة الأفراد على الإقلاع عن تدخين الشيشة. pic.twitter.com/nMlgju8gxn
— مرصد قطر (@Marsadqatar) April 26, 2025
تأتي هذه الدراسة في إطار جهود متواصلة للحد من انتشار التبغ، وبدعم مباشر من مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار، لتعزيز الصحة العامة ومكافحة أحد أكثر أشكال التبغ شيوعًا في المجتمع القطري، وهو تدخين الشيشة.
دراسة نوعية
بحسب مركز مكافحة التدخين، جاءت هذه الدراسة بعد نتائج مقلقة كشفتها دراسة سابقة أجريت عام 2019، والتي أظهرت أن نسبة تعاطي التبغ بين البالغين في قطر بلغت 25.2%، وكانت الشيشة ثاني أكثر أشكال التبغ استخدامًا بنسبة 8.3%. هذا الانتشار المتزايد لظاهرة تدخين الشيشة، خاصة بين الشباب، دفع الجهات الصحية إلى ضرورة تقييم فعالية الأساليب العلاجية المستخدمة حاليًا، والبحث عن حلول بديلة أو أكثر فاعلية.
وتهدف الدراسة إلى استهداف مدخني الشيشة حصريًا، وهي فئة لم يتم تخصيص تجارب علاجية موجهة لهم بشكل دقيق في السابق، على الرغم من الاختلافات الكبيرة في سلوكيات التدخين وأنماط الإدمان مقارنة بتدخين السجائر.
الدراسة، التي يقودها فريق بحثي متخصص من مركز مكافحة التدخين، تستهدف مواطنين ومقيمين تتجاوز أعمارهم 18 عامًا من مدخني الشيشة فقط. وقد بدأت فعليًا حملات ميدانية تشمل وزارات، مستشفيات، جامعات، ومراكز الرعاية الصحية الأولية، لجذب المشاركين وتشجيعهم على الانخراط في هذه التجربة الإكلينيكية المهمة.
مفاهيم خاطئة حول الشيشة
أوضح الدكتور أحمد محمد الملا، مدير مركز مكافحة التدخين، أن هناك حاجة ماسة لتصحيح المفاهيم المنتشرة في المجتمع حول الشيشة، حيث يعتقد البعض أنها أقل ضررًا من السجائر. لكن في الواقع، تؤكد الدراسات أن جلسة واحدة من تدخين الشيشة قد تعرض المدخن لجرعة نيكوتين أعلى بكثير من تدخين السجائر، بالإضافة إلى استنشاق كميات كبيرة من المواد السامة والمسرطنة.
كما أشار الملا إلى أن الأعراض الانسحابية التي يعاني منها من يحاولون الإقلاع عن الشيشة مشابهة لتلك المرتبطة بالسجائر، بل وقد تكون أشد في بعض الحالات. وهذا يفسر سبب صعوبة الإقلاع عن الشيشة لدى الكثير من المستخدمين، وهو ما يبرر الحاجة إلى تجارب سريرية علمية لاختبار ما إذا كانت الأساليب التقليدية المستخدمة في علاج مدخني السجائر فعالة أيضًا مع مدخني الشيشة.
أهداف بعيدة المدى
من المتوقع أن تسهم نتائج هذه الدراسة في تطوير سياسات وطنية مبنية على أدلة علمية، تهدف إلى الحد من استخدام الشيشة، وتحسين جودة حياة الأفراد من خلال تقديم خيارات علاجية فعالة. كما ستوفر الدراسة قاعدة بيانات يمكن الاستفادة منها على المستوى الإقليمي أيضًا، نظرًا لعدم توفر بيانات كافية عن علاج مدخني الشيشة بشكل منفصل عن المدخنين الآخرين.
وفي هذا الإطار، دعا المركز جميع مستخدمي الشيشة في قطر إلى المشاركة في الدراسة، والمساهمة في خلق مجتمع أكثر وعيًا وأقل عرضة لمخاطر التبغ. إذ تعتبر الدراسة خطوة جوهرية نحو توفير برامج علاجية مخصصة وأكثر فعالية، بدلًا من الاعتماد على حلول عامة قد لا تكون مجدية مع كل فئات المدخنين.
السجائر الإلكترونية : خيار واعد للإقلاع عن الشيشة
بينما تواصل قطر جهودها في اختبار وسائل تقليدية وغير تقليدية لمكافحة تدخين الشيشة، تتزايد حول العالم الأدلة التي تشير إلى أن السجائر الإلكترونية قد تكون أداة فعالة لمساعدة المدخنين على الإقلاع عن التبغ، بما في ذلك الشيشة.
وفقًا لدراسة نشرت عام 2024، السجائر الإلكترونية واحدة من أكثر ثلاثة وسائل فعالية للإقلاع عن التدخين، إلى جانب العلاج السلوكي ودعم الأطباء. الدراسة أشارت إلى أن مستخدمي السجائر الإلكترونية كانوا أكثر احتمالًا للنجاح في الإقلاع مقارنة بمن استخدموا وسائل تقليدية فقط مثل لصقات النيكوتين أو العلكة.
علاوة على ذلك، أكدت مراجعة علمية ضخمة أجرتها مؤسسة “كوكرين” Cochrane، وهي من بين أكثر الجهات احترامًا في تقييم الأدلة الطبية، أن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على النيكوتين تساعد المدخنين في الإقلاع بفعالية أعلى من بدائل النيكوتين التقليدية. وشملت هذه المراجعة بيانات من عشرات الدراسات السريرية، وخلصت إلى أن الأشخاص الذين استخدموا السجائر الإلكترونية كوسيلة للإقلاع، كانت فرصهم في التوقف عن التدخين أعلى بشكل ملحوظ.
هذه النتائج قد تدفع صناع القرار في قطر إلى فك الحظر المفروض على السجائر الإلكترونية وتوسيع إطار الدراسة المستقبلية لتكون أحد الخيارات العلاجية المحتملة، خاصة مع تزايد انتشار استخدامها في المنطقة، وحاجة المدخنين لوسائل أكثر مرونة وأقل ضررًا مقارنة بمنتجات التبغ التقليدية.
نحو سياسات علاجية أكثر واقعية
إن إطلاق هذه الدراسة الإكلينيكية في قطر يمثل تحولًا نوعيًا في طريقة التعامل مع مشكلة تدخين الشيشة. فمن خلال تحديد الوسائل الفعالة بدقة علمية، يمكن تطوير برامج وطنية أكثر تأثيرًا، تُراعي خصوصية هذا النمط من التدخين وتعقيداته السلوكية.
وفي الوقت ذاته، فإن فتح الباب أمام وسائل بديلة مثل السجائر الإلكترونية كأداة أقل ضررا من التدخين، قد يشكل عنصرًا حاسمًا في صياغة سياسات أكثر شمولية وإنصافًا للمدخنين الباحثين عن بدائل أقل ضررًا.
هذا التوجه العلمي يمكن أن يكون نموذجًا يحتذى به في المنطقة، ويضع قطر في طليعة الدول التي تتعامل مع أزمة التبغ بأساليب مبتكرة قائمة على الأدلة.