في خطوة مهمة، بدأ العراق بالاتجاه نحو تنظيم سوق التبغ بشكل أكثر صرامة، مع مناقشة البرلمان لقانون جديد يهدف إلى الحد من ظاهرة التدخين، خصوصًا بين فئة الشباب. القانون الذي أطلق عليه اسم “قانون التبغ”، يتناول ليس فقط السجائر التقليدية، بل يمتد ليشمل الشيشة والسجائر الإلكترونية، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل هذه المنتجات في البلاد.

بحسب تقرير نشرته قناة السومرية فإن القانون الجديد لا يقتصر على منع التدخين في الأماكن العامة فحسب، بل يفرض أيضًا غرامات مالية، ويمنع الترويج للتدخين بأي شكل، إضافة إلى تنظيم استيراد وبيع المنتجات المرتبطة بالتبغ والنيكوتين. فهل يشكل هذا القانون نقلة نوعية في التعامل مع ظاهرة التدخين؟ وما هو تأثيره المحتمل على مستخدمي البدائل مثل السجائر الإلكترونية؟ خاصة في غياب مفهوم الحد من أضرار التبغ. هذا ما سنحاول الإجابة عليه.

أبرز بنود قانون التبغ الجديد: تشديد شامل على كل ما يتعلق بالتدخين

التدابير الرئيسية في القانون الجديد
مصدر الصورة : موقع مجلس النواب العراقي

بحسب تقرير السومرية، جاء مشروع القانون حافلًا بالإجراءات الصارمة التي تشمل عدة محاور رئيسية، نلخصها فيما يلي:

1. منع التدخين في الأماكن المغلقة والعامة

القانون يمنع التدخين بجميع أنواعه – سواء كانت السجائر التقليدية، الشيشة، أو حتى السجائر الإلكترونية – في الأماكن المغلقة مثل الوزارات، المدارس، الجامعات، المستشفيات، دور العبادة، ومراكز الشباب. هذا المنع يشمل حتى المقاهي والمطاعم المغلقة، مما يضع تحديًا كبيرًا أمام الفئات التي اعتادت التدخين في هذه الأماكن.

وتأتي هذه الخطوة للحد من ظاهرة “التدخين السلبي”، التي تُعد من أكثر العوامل خطورة على غير المدخنين، خاصة الأطفال وكبار السن. وهذا يشير إلى تحرك حكومي واضح نحو تغيير الثقافة الاجتماعية السائدة حول “التدخين كجزء من الحياة اليومية”.

2. حظر التدخين أمام الأطفال وتغليظ العقوبات

ينص القانون أيضًا على تجريم التدخين بالقرب من الأطفال أو داخل وسائل النقل الخاصة التي تقلّهم، في محاوله لحمايتهم من آثار التبغ، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة. وفي حال المخالفة، تُفرض غرامات مالية قد تصل إلى 50 ألف دينار عراقي.

هذه الخطوة تُظهر إدراكًا متزايدًا لدى صُنّاع القرار لأهمية البيئة المحيطة في تشكيل سلوكيات الأطفال، لا سيما أن أغلب الدراسات العالمية تؤكد أن التعرض للتدخين في مرحلة الطفولة يزيد من احتمالية التحول إلى مدخنين في المستقبل.

3. تنظيم سوق التبغ والسجائر الإلكترونية

من أبرز ما جاء في القانون، هو بند يلزم بوضع لاصق جمركي على جميع منتجات التبغ المستوردة، بما فيها السجائر الإلكترونية، والسوائل الإلكترونية الخاصة بها. هذا اللاصق يُعتبر إثباتًا على أن المنتج قد دخل البلد بطرق قانونية و خضع للرقابة.

كما يتضمن القانون فرض ضريبة مبيعات خاصة على هذه المنتجات، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على أسعارها في السوق. ورغم أن الهدف المعلن من هذه الضريبة هو تقليل الاستهلاك، إلا أن بعض المتخصصين يحذرون من أن فرض الضرائب دون توفير بدائل منخفضة المخاطر بشكل رسمي (مثل السجائر الإلكترونية المصرّح بها) قد يدفع المستخدمين إلى السوق السوداء.

4. منع الدعاية والترويج بكافة أشكاله

يحظر القانون الترويج لجميع منتجات التبغ والنيكوتين، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يشمل الحملات التسويقية، الرعاية الإعلانية، وحتى المشاهد التي يظهر فيها التدخين ضمن المسلسلات أو الأفلام.

الهدف من هذه الخطوة هو منع تطبيع التدخين في الوعي الجمعي، خاصة بين المراهقين الذين يتأثرون بشكل كبير بالمشاهير والإعلانات، وهي استراتيجية اتبعتها العديد من الدول وحققت من خلالها نتائج إيجابية في خفض نسب التدخين بين الشباب.

تحديات التنفيذ : ما بين الطموح والتطبيق العملي

رغم أهمية القانون الجديد، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع قد يواجه مجموعة من التحديات التي من شأنها اعاقة تحقيق الأهداف المعلنة:

1. تجارب سابقة لم تُنفذ بفعالية

سبق أن أقر العراق في عام 2012 قانونًا يمنع التدخين في الأماكن العامة، لكن تطبيقه كان ضعيفًا، وغابت عنه المتابعة والرقابة الميدانية. ومع وجود فجوة بين التشريع والتنفيذ، فإن مصير القانون الجديد قد يكون مشابهًا إن لم تُخصص له ميزانية، ويُعزز بجهود رقابية حقيقية.

2. ضعف التوعية المجتمعية

التشريع وحده لا يكفي، إذ أن المجتمع بحاجة إلى حملات إعلامية وتثقيفية تفهم الناس فحوى القانون، وتوضح أسبابه وأهدافه، وتدعم ثقافة الإقلاع عن التدخين أو الانتقال إلى البدائل الأقل ضررًا.

في الوقت الراهن، لا يوجد في العراق برنامج وطني متكامل لـ الحد من أضرار التبغ (Tobacco Harm Reduction)، وهو ما يجعل بعض المستخدمين في حيرة من أمرهم بخصوص استخدام السجائر الإلكترونية كبديل.

3. التوازن بين الصحة العامة والحقوق الفردية

فيما يسعى القانون لحماية الصحة العامة، تظهر أصوات تطالب بأن يتم التفريق بين السجائر التقليدية والبدائل الإلكترونية منخفضة الضرر، كما هو الحال في دول مثل بريطانيا ونيوزيلندا. ويدعو البعض إلى تنظيم سوق السجائر الإلكترونية بشكل أكثر دقة، بدلًا من فرض الحظر الكلي أو الزيادة العشوائية في الضرائب.

خطوة مهمة تحتاج دعمًا واستراتيجية شاملة

من الواضح أن قانون التبغ الجديد في العراق يُعد تطورًا لافتًا في السياسة الصحية العامة، ويعكس إدراكًا متزايدًا لخطورة التبغ على المجتمع. لكن يبقى التحدي الحقيقي هو كيفية تنفيذه على أرض الواقع، ومدى تعاون الجهات الأمنية، الإعلامية، والصحية في ترسيخ ثقافة جديدة تقوم على الوعي لا القمع.

وإذا أرادت الحكومة تحقيق أهدافها فعلاً، فإنها بحاجة إلى النظر بجدية في إدماج سياسة الحد من الضرر ضمن استراتيجيتها، وتنظيم قطاع المنتجات البديلة بشكل مسؤول، لتوفير خيارات واقعية وفعالة للمدخنين الراغبين في الإقلاع عن التدخين.

المصادر:

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments