تعد تجربة “COSTED” واحدة من أكبر التجارب في المملكة المتحدة التي تهدف إلى مساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين باستخدام السجائر الإلكترونية عبر توزيعها في أقسام الطوارئ بشكل مجاني. تأتي هذه التجربة في إطار الجهود المتواصلة لمكافحة التدخين والحد من آثاره السلبية على المجتمع.
يعتبر التدخين من أكثر العادات الصحية ضرراً، حيث يرتبط بعدد كبير من الأمراض المزمنة والقاتلة مثل السرطان وأمراض القلب والجهاز التنفسي. تسعى الحكومات والمنظمات الصحية العالمية بشكل مستمر لإيجاد طرق فعالة لمساعدة المدخنين على الإقلاع، وقد برزت السجائر الإلكترونية كأحد البدائل المثيرة للاهتمام في هذا المجال.
منهجية الدراسة
تم اختيار المدخنين الذين حضروا إلى قسم الطوارئ في ستة مستشفيات بريطانية بعناية لضمان تمثيل عينة متنوعة من المجتمع. المشاركون في الدراسة كانوا من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، مما يعزز من مصداقية النتائج. تم تقسيمهم بشكل عشوائي إلى مجموعتين رئيسيتين لضمان التوازن والتقليل من التحيزات:
المجموعة الاولى
تلقت المجموعة الاولى العديد من التدخلات الشاملة التي تضمنت:
- نصائح حول الإقلاع عن التدخين: تم تقديم هذه النصائح من قبل متخصصين في الصحة العامة، حيث شملت توجيهات عملية حول كيفية البدء في عملية الإقلاع وأهمية التخطيط المسبق ووضع أهداف واضحة.
- مجموعة من أجهزة سجائر إلكترونية: تم تزويد المشاركين بمجموعة متنوعة من السجائر الإلكترونية مع سوائل تحتوي على النيكوتين و بنكهات مختلفة، لتلبية تفضيلاتهم الشخصية وزيادة فرص استخدامهم لها كبديل للسجائر التقليدية.
- إحالة إلى خدمات الإقلاع عن التدخين: تم توجيه المشاركين إلى مراكز متخصصة توفر دعماً متواصلاً ومتابعة دورية، بما في ذلك جلسات مشورة فردية وجماعية.
المجموعة الثانية
تلقت هذه المجموعة معلومات مكتوبه فقط حول الإقلاع عن التدخين بدون أي تدخلات إضافية أو دعم مباشر. هذه المعلومات شملت نصائح عامة حول مخاطر التدخين وأهمية الإقلاع، ولكنها لم تتضمن الدعم العملي والنفسي الذي حصلت عليه المجموعة الاولى.
إثبات على فعالية السجائر الالكترونية
أظهرت نتائج الدراسة فروقاً ملحوظة بين المجموعتين، مما يبرز فعالية أنواع الدعم العملي والنفسي المطبقة:
المجموعة الاولى:
نجح 7.2% من المشاركين في هذه المجموعة في الإقلاع عن التدخين لمدة 6 أشهر، وهي نسبة تُعتبر مشجعة للغاية. هذا الإنجاز لم يقتصر فقط على الامتناع عن التدخين، بل أيضاً تحسين الصحة العامة وتقليل مخاطر الأمراض المرتبطة بالتدخين. بالإضافة إلى ذلك، أفاد العديد من المشاركين بشعورهم بتحسن في وظائفهم التنفسية وزيادة في مستوى الطاقة والحيوية.
المجموعة الثانية:
تمكن 4.1% فقط من المشاركين من الإقلاع عن التدخين خلال نفس الفترة، مما يعكس تأثير نقص الدعم المباشر والشامل. هذا الفارق الواضح بين المجموعتين يؤكد أهمية التدخلات النشطة والمستمرة في تحقيق نتائج ملموسة.
تثبت هذه الدراسة أن تقديم اجهزة السجائر الإلكترونية والدعم النفسي في أقسام الطوارئ يمكن أن يكون وسيلة فعالة لمساعدة المدخنين على الإقلاع. تعزز هذه النتائج أهمية التفكير في استخدام السجائر الإلكترونية كأداة فعالة للإقلاع عن التدخين، والتي يمكن أن تكون جزءًا من استراتيجيات منظمات الصحة العامة لمحاربة التدخين. بالنظر إلى التحديات التي تواجه الأفراد من الفئات المحرومة في الوصول إلى خدمات الدعم الصحي، تبرز أهمية توفير هذه الأدوات والنصائح في بيئات يسهل الوصول إليها مثل أقسام الطوارئ في المستشفيات.
أهمية إجراء هذا النوع من الأبحاث
تبرز تجربة “COSTED” أهمية التدخل المباشر والفعّال في بيئات الرعاية الصحية مثل أقسام الطوارئ، حيث يمكن الوصول إلى مجموعة واسعة من المدخنين الذين قد يواجهون صعوبات في الوصول الى الدعم الضروري للإقلاع عن التدخين في الظروف العادية.
هذا النوع من التدخل يمكن أن يكون فعالاً بشكل خاص في معالجة مشكلة التدخين بين الفئات السكانية التي قد تكون أكثر عرضة للتدخين نتيجة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية. كما تسلط الضوء على الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها السجائر الإلكترونية كبديل أقل ضررًا للسجائر التقليدية، حيث يمكن أن تقلل من تعرض المدخنين للمواد الكيميائية الضارة التي تنتج عن احتراق التبغ.
واستنادًا إلى نتائج هذه الدراسة، توصي الجهات التي قامت بهذه التجربة بما يلي:
- توسيع نطاق التجربة: تنفيذ برامج مشابهة في مستشفيات أخرى وفي أماكن رعاية صحية مختلفة للوصول إلى المزيد من المدخنين. من الضروري أن يتم تكثيف الجهود لتشمل المناطق الريفية والمدن الكبيرة على حد سواء لضمان الوصول إلى أوسع شريحة ممكنة من المدخنين.
- توفير الدعم المستمر: التأكد من وجود خدمات دعم مستمرة للمدخنين الذين يرغبون في الإقلاع، بما في ذلك الإحالة إلى خدمات الإقلاع عن التدخين. يجب أن تشمل هذه الخدمات برامج متابعة دورية وتقنيات دعم مثل المشورة الهاتفية أو الجلسات الافتراضية.
- زيادة الوعي: تعزيز الوعي حول فوائد استخدام السجائر الإلكترونية كأداة للإقلاع عن التدخين من خلال حملات توعية وتثقيف واسعة النطاق. يمكن استخدام وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر المعلومات وزيادة الوعي بأهمية الإقلاع عن التدخين.
ختامًا، تقدم تجربة “COSTED” نموذجًا ناجحًا يمكن اتباعه لتحسين الصحة العامة وتقليل معدلات التدخين، مما يعزز الجهود المبذولة للحد من الآثار السلبية للتدخين على المجتمع. من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات على نطاق واسع، يمكن تحقيق تحسينات كبيرة في الصحة العامة وتقليل العبء الصحي والاقتصادي الناجم عن التدخين.
المصدر :
Pope I, Clark LV, Clark A, et al Cessation of Smoking Trial in the Emergency Department (COSTED): a multicentre randomised controlled trial Emergency Medicine Journal 2024;41:276-282.