مع حلول الشتاء وبداية موجات البرد، تعود إلى الأذهان صورة الموقد التقليدي: حطب مشتعل، لهب متراقص، ورائحة الدخان التي تمنح شعورًا بالدفء والحنين. في كثير من المنازل، سواء في الريف أو حتى في بعض المدن، لا يزال الاعتماد على الحطب أو الفحم وسيلةً مفضلة للتدفئة. لكن خلف هذه الأجواء “الدافئة”، هناك حقائق علمية مقلقة: الدخان المنبعث من مواقد الحطب ليس أقل خطورة على الرئة من دخان السجائر.

دراسة أوروبية حديثة، عُرضت في مؤتمر الجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي (ERS) في سبتمبر 2025 من قبل فريق بحثي من جامعة لندن University College London (UCL)، وجدت أن مواقد الحطب في المنازل تؤدي إلى تدهور وظائف الرئة بمعدل أسرع، و بآلية شبيهة بما يسببه التدخين. هذه النتيجة تعيد التأكيد على حقيقة جوهرية: الاحتراق هو أصل المشكلة، مهما كان مصدره.

الاحتراق: العدو الحقيقي للرئة

فاعلية قوانين حظر التبغ 21

منذ عقود، يركّز البحث العلمي على آثار التدخين التقليدي على صحة الإنسان. لكن اليوم يتسع المشهد: الاحتراق ليس حكرًا على التبغ. سواء كان حطبًا، فحمًا، أو حتى بخورًا منزليًا، فإن عملية الاحتراق تنتج دائمًا مزيجًا معقدًا من الجزيئات الدقيقة (PM2.5) والغازات السامة مثل أول أكسيد الكربون (CO)، وأكاسيد النيتروجين، والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs).

هذه المواد تصل مباشرة إلى أعماق الرئة، حيث تثير التهابات مزمنة، تزيد الإجهاد التأكسدي، وتضعف الجهاز المناعي المحلي. والنتيجة: تراجع تدريجي في وظائف الرئة، وارتفاع خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل الانسداد الرئوي المزمن (COPD) وسرطان الرئة.

الدراسة الأوروبية: مواقد الحطب و تدهور وظائف الرئة

في مؤتمر ERS 2025، قدّم الباحثون من UCL نتائج دراسة اعتمدت على بيانات English Longitudinal Study of Ageing (ELSA)، حيث تمت متابعة آلاف المشاركين على مدى 8 سنوات.

النتائج أظهرت أن الأفراد الذين يستخدمون مواقد الحطب أو الوقود الصلب للتدفئة أظهروا تراجعًا أسرع في قياسات وظائف الرئة، وبالأخص معدل الزفير القسري في ثانية واحدة (FEV₁). هذا المؤشر يُعتبر من أهم أدوات قياس صحة الجهاز التنفسي.

المثير أن التدهور كان مشابهًا لما يحدث لدى المدخنين، ما يعني أن الرئة لا تفرّق كثيرًا بين دخان سيجارة و دخان الحطب: كلاهما يؤدي إلى التهابات مزمنة وتضعف القدرة على التنفس بمرور الوقت.

قد يظن البعض أن هذه النتائج تخص المجتمعات الأوروبية حيث يكثر استخدام مواقد الحطب في الأكواخ والريف. لكن الحقيقة أن الوضع ليس بعيدًا عنا.

 الفحم والحطب يستخدمان للتدفئة والطبخ

في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، لا يزال الفحم والحطب يستخدمان للتدفئة في القرى والمنازل، وأحيانًا حتى في المدن التي تعاني من انقطاعات في الكهرباء أو الغاز. وفي بعض العائلات، يُستخدم الفحم أيضًا في الطبخ أو في مواقد الشيشة المنزلية.

هذا يعني أن الخطر ليس بعيدًا، بل ملموس في حياتنا اليومية: كل نفس من الدخان يحمل معه جسيمات دقيقة تدخل الرئة وتترك أثرًا طويل الأمد.

الاحتراق هو المشكلة الحقيقية

الدراسة الأوروبية حول مواقد الحطب لا تقتصر أهميتها على مجال التدفئة المنزلية فقط، بل تحمل درسًا أوسع يمكن تطبيقه على الصحة العامة بشكل عام. فهي تذكّرنا بأن الخطر الحقيقي على الرئة لا ينشأ من طبيعة المادة نفسها – سواء كانت خشبًا أو تبغًا أو حتى فحمًا – بل من عملية الاحتراق ذاتها.

فالاحتراق يولّد دومًا خليطًا معقدًا من الملوّثات: جزيئات دقيقة متناهية الصغر (PM2.5)، غازات سامة مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين، ومركبات كيميائية ضارة أخرى مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات. هذه المواد، عند استنشاقها، تصل مباشرة إلى أعماق الرئة، حيث تثير التهابات مزمنة وتُضعف دفاعات الجهاز التنفسي وتؤدي مع مرور الوقت إلى تراجع تدريجي في وظائف الرئة وزيادة خطر الإصابة بأمراض مثل الانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة.

هنا يتضح أن ما يجمع بين موقد الحطب وسيجارة التبغ ليس “المادة” التي تُحرق، بل “النار” ذاتها. كل ما يقوم على الاحتراق يخلّف وراءه سمومًا متشابهة في آلياتها وخطورتها، حتى وإن اختلفت الروائح أو طبيعة الوقود المستخدم.

ومن هذه الزاوية، يصبح من الضروري أن يُبنى النقاش الصحي والسياسات العامة على تمييز واضح: المنتجات أو الوسائل القائمة على الاحتراق هي بطبيعتها عالية الضرر، بينما الابتعاد عن الاحتراق يقلّل بشكل كبير من مستويات السموم المستنشقة. هذا لا يعني بالضرورة أن البدائل خالية من المخاطر، لكنها بالتأكيد لا تولّد الخليط السام الناتج عن النار.

ومن هنا تأتي أهمية السجائر الإلكترونية في النقاش العلمي: فهي ليست آمنة تمامًا، لكنها تختلف جوهريًا عن السجائر التقليدية لأنها لا تعتمد على الاحتراق، بل على تسخين سائل لإنتاج بخار. هذا الفارق الأساسي وحده يفسّر لماذا تُعتبر أقل ضررًا بكثير من التدخين القائم على الاحتراق، ولماذا يجب أن تتم مقارنتها بموضوعية بعيدًا عن الخلط الإعلامي.

أرقام صادمة عن تلوث الهواء الداخلي

  • الجزيئات الدقيقة المنبعثة من الحطب أو الفحم لا تضر فقط بالرئة، بل ترتبط أيضًا بارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب، وضعف نمو الرئة لدى الأطفال.

إذا جمعنا هذه الأرقام مع ما نعرفه عن التدخين، تتضح الصورة: الخطر الأكبر ليس مجرد “منتج معين”، بل كل ما يقوم على الاحتراق.

خلاصة القول :

في الوقت الذي تُكثّف فيه بعض الحكومات جهودها لحظر السجائر الإلكترونية أو تقييدها، نجد أن الخطر الأكبر – الاحتراق – لا يحظى بنفس القدر من التركيز.

الدخان – أيًا كان مصدره – عدو للرئة. والاحتراق هو أصل المشكلة، سواء كان حطبًا أو تبغًا. أما الحل، فهو البحث عن بدائل أنظف وأقل ضررًا، في التدفئة كما في النيكوتين.

الدرس الأهم: إذا أردنا أن نحمي الأجيال القادمة، فلا بد أن نوجّه السياسات الصحية نحو التخلص من الاحتراق، لا الوقوع في فخ مساواة كل المنتجات ببعضها.

ففي النهاية، وراء الدفء الذي يمنحه الحطب، يختبئ دخان لا يقل خطورة عن دخان السيجارة.

من المسؤول عن الأمراض المرتبطة بالتدخين؟ النيكوتين أم الاحتراق

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments