في الوقت الذي تتباهى فيه أستراليا بكونها من الدول الرائدة في مكافحة التبغ، تُظهر النتائج على أرض الواقع أن السياسات الصارمة التي تعتمد على رفع الضرائب والحظر قد فشلت في الحد من الإدمان، بل أدت إلى نتائج عكسية، أبرزها ازدهار السوق السوداء وفقدان الثقة في السياسة الصحية العامة.

تشير التقديرات الحكومية إلى أن العائدات المتوقعة من ضرائب التبغ ستتراجع بمقدار 4.4 مليار دولار أميركي بحلول عام 2029، وهو ما يشير بوضوح إلى تنامي حجم التجارة غير القانونية في منتجات التبغ والنيكوتين. هذا التوجه لا يُضعف فقط قدرة الحكومة على تمويل برامج الصحة العامة، بل يُغذي في الوقت نفسه شبكات إجرامية باتت أكثر تنظيماً وخطورة.

صراعات التهريب تتصاعد

صراعات التهريب تتصاعد

منذ بداية عام 2023، سجلت السلطات أكثر من 220 حادثة حرق متعمد استهدفت متاجر رفضت بيع منتجات التبغ المهربة. الأمر لم يعد يتعلق فقط بتهرب ضريبي، بل أصبح يتعلق بأمن المجتمع واستقراره.

وقد أكدت هيئة الاستخبارات الجنائية أن هذه الحوادث ترتبط بشكل مباشر بصراعات عصابات تهريب التبغ والسجائر الإلكترونية، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول فعالية السياسات الحالية.

بحسب جيمس مارتن، أستاذ علم الإجرام في جامعة ديكين في ملبورن، فإن الأضرار لا تقتصر على الجانب المالي فقط، بل امتدت إلى تهديدات مباشرة لأمن المجتمع:

“إنها أزمة مالية، وبالتالي فإننا نخسر مليارات الدولارات من الرسوم الجمركية، ولكن ما يقلقني أكثر هو أنها أصبحت مشكلة كبرى على صعيد الجريمة”جيمس مارتن، أستاذ علم الإجرام في جامعة ديكين في ملبورن

أسعار غير منطقية وخيارات محدودة

أسعار غير منطقية

يُجمع الخبراء على أن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الحكومة الأسترالية كان في رفع أسعار السجائر إلى مستويات خيالية، في حين تم قصر بيع السجائر الإلكترونية على الصيدليات و بوصفة طبية. ونتيجة لذلك، وجد العديد من المدخنين أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: الاستمرار في دفع ما يقرب من 30 دولارا أميركيا لعلبة السجائر، أو الاتجاه إلى السوق السوداء.

يشير مارتن، أستاذ علم الإجرام في جامعة ديكين في ملبورن، إلى أن الخطأ الحكومي لا يقتصر على رفع الأسعار فقط، بل يتجسد أيضاً في حصْر بيع السجائر الإلكترونية في الصيدليات، مما حرم المدخنين من وسيلة انتقال أقل ضرراً، وقال:

“إذا جعلنا الحصول على النيكوتين أكثر صعوبة، فإن الناس سيتجهون إلى السوق السوداء”.

وأكد على ضرورة إعادة النظر في السياسات الحالية قائلاً:

“يجب على الحكومة خفض الضريبة غير المباشرة على التبغ لوقف النزوح نحو السوق السوداء، ويجب عليها أيضا تقنين منتجات التدخين الإلكتروني”.

دروس من نيوزيلندا : تشريع السجائر الإلكترونية أفضل من الحظر

تشريع السجائر الإلكترونية أفضل من الحظر

على النقيض من ذلك، اختارت نيوزيلندا نهجاً أكثر واقعية، فبعد أن كانت تعاني من معدلات تدخين أعلى من أستراليا، قامت بتقنين السجائر الإلكترونية عام 2020، مما ساعد في خفض معدل التدخين بشكل ملحوظ. التجربة النيوزيلندية تُظهر أن تشريع البدائل الأقل ضرراً، مثل السجائر الإلكترونية، يمكن أن يكون أكثر فاعلية في الحد من استهلاك التبغ من الحظر والضرائب فقط.

على الرغم من انخفاض معدلات التدخين التقليدي في أستراليا إلى 8.3% عام 2023، فإن استهلاك النيكوتين بقي مستقراً منذ عام 2016، بحسب بيانات المعهد الاسترالي للصحة. هذا يعني أن السلوك الإدماني لم يتغير، وإنما تغيرت فقط الوسيلة، وغالباً إلى وسائل غير شرعية وغير خاضعة للرقابة.

ويؤكد الباحث إدوارد جيغاسوثي أن ضرائب التبغ تضر بالفئات الأقل دخلاً، حيث تُشكل السجائر عبئاً مالياً كبيراً على هذه الفئة، التي تميل أكثر من غيرها إلى اللجوء للخيارات الأرخص، بغض النظر عن قانونيتها.

هل ستتراجع استراليا؟

هل ستتراجع استراليا

مع تنامي الأدلة على أن الحرب على النيكوتين بشكلها الحالي ليست الإستراتيجية المثالية، بات من الضروري إعادة النظر في هذه السياسات. فبدلاً من التركيز على القمع والمنع، ينبغي تشجيع البدائل الأقل ضرراً، مثل السجائر الإلكترونية المنظمة، وتقنينها بشكل يضمن السلامة ويحد من الإدمان، مع الحفاظ على حرية الاختيار.

إن الرسالة التي تخرج من أستراليا واضحة: الضرائب المرتفعة والحظر لا يكفيان لمواجهة مشكلة التبغ، بل فتحت الباب لمخاطر جديدة. الحل يكمن في سياسة واقعية، قائمة على تقنين المنتجات، وتثقيف المستهلك، وإعطاء الأولوية لخفض الضرر بدلاً من الحظر الشامل.

دراسة كوكرين : تؤكد على أن السجائر الالكترونية أكثر فعالية من بدائل النيكوتين الأخرى

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية