على مدار السنوات الماضية، شهد سوق السجائر التقليدية في الولايات المتحدة انخفاضًا كبيرًا، يقابله تفوق ملحوظ لمنتجات السجائر الإلكترونية. ومع تراجع مبيعات السجائر التقليدية وتزايد استخدام السجائر الإلكترونية، يبدو أن هذه الأخيرة قد بدأت بالفعل في أن تكون تهديد حقيقي لسوق التبغ التقليدي.
انخفاض مبيعات سجائر التبغ
في ظل تزايد التحذيرات الصحية بشأن مخاطر التدخين، وارتفاع الضرائب المفروضة على السجائر التقليدية، لم يعد من المفاجئ أن يتجه المستهلكون الأمريكيون بعيدًا عن هذه المنتجات. وبحسب مقال نشر على موقع CNN الاقتصادية، وصلت مبيعات السجائر في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 60 مليار دولار في سبتمبر الماضي، وتشهد انخفاضًا مستمرًا. هذا الانخفاض لا يعود فقط إلى المخاوف الصحية، بل أيضًا إلى الارتفاع الكبير في أسعار السجائر من جهة وكفاءة منتجات السجائر الإلكترونية من جهة أخرى.
بالمقارنة، ارتفع سعر علبة سجائر مارلبورو بنسبة تقارب 30% منذ عام 2019، بينما تسعى المتاجر الكبرى إلى تقليص وجود السجائر التقليدية على رفوفها. وتجد هذه المتاجر نفسها اليوم في منافسة شديدة على ما تبقى من سوق السجائر، إذ بدأ بعضها مثل “وول مارت” و”ستوب اند شوب” بإزالة السجائر من فروعها في بعض الولايات.
ورغم أن السجائر التقليدية ما زالت متاحة في متاجر البقالة المستقلة ومتاجر التدخين، إلا أن مبيعاتها تنخفض باستمرار، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الأشخاص الذين يتجهون إلى السجائر الإلكترونية كبديل أقل ضررًا وأرخص تكلفة.
السجائر الإلكترونية تكتسب شعبية
استطاعت السجائر الإلكترونية تحقيق ما عجزت عنه بدائل النيكوتين الأخرى، مثل لصقات النيكوتين والعلاجات الدوائية. بفضل حملات التوعية حول أضرار التدخين التقليدي، بدأ العديد من الأمريكيين في التحول إلى السجائر الإلكترونية. حيث كشفت مؤسسة Gallup في استطلاع حديث أن معدلات التدخين في الولايات المتحدة انخفضت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، حيث بلغت نسبة المدخنين البالغين 11% فقط.
وتشير البيانات أيضًا إلى أن السجائر الإلكترونية لعبت دورًا حاسمًا في هذا الانخفاض، خاصة بين الأجيال الشابة. حيث أظهر مسح أجرته وزارة الصحة بولاية كونيتيكت أن استخدام السجائر الإلكترونية بلغ ذروته بين طلاب المدارس الثانوية في عام 2019. يبدو أن هناك تحولاً ملحوظًا نحو بدائل جديدة أقل ضررا مثل السجائر الإلكترونية، خاصة مع تزايد الوعي بأضرار التدخين.
السجائر الإلكترونية وسيلة فعالة للحد من التدخين
بينما تنتشر المخاوف بشأن تأثير السجائر الإلكترونية على الصحة، تشير الأبحاث والدراسات إلى فوائدها في مساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين. فقد أظهرت دراسات عديدة أن السجائر الإلكترونية ليست بوابة للتدخين، بل هي أداة فعالة في مكافحة التدخين وتقليل أضراره.
ويرى مايكل لاندل، مدير تحالف المدخنين الإلكترونيين العالميين، أن السجائر الإلكترونية تمثل خطوة نحو الحد من أضرار التدخين على الصحة العامة، خاصة وأنها تُعد بديلاً أقل ضررًا من السجائر التقليدية. ويؤكد أن السجائر الإلكترونية ليست فقط وسيلة للتقليل من عدد المدخنين، بل هي أيضًا أسلوب فعال للحفاظ على صحة الأجيال القادمة، بعيدًا عن المخاطر المعروفة للتدخين التقليدي.
في المقابل، تواجه السجائر الإلكترونية تحديات تنظيمية متزايدة، خاصة فيما يتعلق ببيعها في بعض الولايات الأمريكية. حيث تعمل الجهات التنظيمية على فرض قيود على منتجات السجائر الإلكترونية، وهو ما يمكن أن يحد من انتشارها ويقلل من تأثيرها الإيجابي على الصحة العامة.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الأثر الإيجابي للسجائر الإلكترونية في خفض معدلات التدخين. ففي مينيسوتا، على سبيل المثال، انخفضت معدلات التدخين التقليدي من 21.2% في عام 2011 إلى 15.5% في عام 2020، بينما ظلت معدلات استخدام السجائر الإلكترونية مستقرة نسبيًا. كما أظهرت دراسة بريطانية أن زيادة استخدام السجائر الإلكترونية بين الشباب قد ساهم في تقليل معدلات التدخين التقليدي.
مستقبل السوق: السجائر الإلكترونية في مواجهة السجائر التقليدية
من الواضح أن السجائر الإلكترونية تشكل تهديدًا حقيقيًا لسوق السجائر التقليدية، وخاصة مع تزايد الوعي بأضرار التدخين و توجه المستهلكين نحو بدائل أقل ضررًا. وإذا استمر انخفاض معدلات التدخين بهذه الوتيرة، فإن شركات التبغ الكبرى قد تجد نفسها في مواجهة تحديات جديدة، مما يدفعها إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها لتلبية تطلعات المستهلكين.
إن استمرار ارتفاع أسعار السجائر التقليدية، إلى جانب التقدم التكنولوجي في مجال السجائر الإلكترونية، يعزز من احتمالية تزايد شعبيتها في المستقبل القريب. ومع تزايد الجدل حول تنظيمها، يبقى مستقبل السوق مفتوحًا، وربما نشهد قريبًا تحولاً كاملاً نحو السجائر الإلكترونية كبديل أكثر قبولًا وأقل ضررًا.
