لا يزال التدخين التقليدي يمثل أحد أخطر التحديات الصحية عالميًا، حيث يؤدي إلى ملايين الوفيات المبكرة سنويًا نتيجة الأمراض المرتبطة به. في ألمانيا وحدها، يتجاوز عدد المدخنين البالغين 20 مليون شخص، كثير منهم لا يبدون استعدادًا للإقلاع عن التدخين رغم معرفتهم بأضراره الجسيمة. أمام هذا الواقع، يصبح البحث عن بدائل أقل خطورة ضرورة ملحة، خصوصًا لأولئك الذين لا يستطيعون التوقف عن استهلاك النيكوتين.

في أغسطس 2025، نشر الباحث Reinhard Niessner دراسة محكّمة في مجلة Internal and Emergency Medicine تحت عنوان: “The potential of smoke-free products to reduce harm for smokers: what does the toxicological evidence say?”. وقدمت هذه الدراسة مراجعة شاملة للأدلة السمية المتعلقة بالمنتجات الخالية من الدخان (Smoke-Free Products – SFPs)، وتشمل السجائر الإلكترونية (ECs)، أجهزة تسخين التبغ (HTPs)، وأكياس النيكوتين (NPs).

وقبل ان نغوص في تفاصيل الدراسة يجب ان نفهم ماهي هذه الادوات بالضبط، ويجب ان نبدا بفهم خطورة التخدين التقليدي :

السجائر التقليدية: مصنع السموم

السجائر التقليدية عند احتراقها تطلق نحو 6500 مركّب كيميائي، من بينها أكثر من 100 مادة مصنفة بأنها ضارة أو يحتمل أن تكون ضارة (HPHCs). هذه المجموعة تضم النيكوتين، أول أكسيد الكربون، النيتروزامينات الخاصة بالتبغ (TSNAs)، الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، المركبات الكربونيلية مثل الفورمالديهايد والأسيتالدهيد، بالإضافة إلى المعادن الثقيلة. لهذا السبب يظل التدخين التقليدي أكثر طرق استهلاك النيكوتين خطورة على الإطلاق.

السجائر الإلكترونية: انخفاض هائل في الانبعاثات

بيّنت دراسة Niessner أن السجائر الإلكترونية تقلل الانبعاثات الضارة بنسبة تتراوح بين 80% و99.9% مقارنة بالسجائر العادية. فقد سجلت النيتروزامينات الخاصة بالتبغ (TSNAs) انخفاضًا بأكثر من 99.9%، فيما انخفضت الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs) بنسبة تصل إلى 99.9%، لتصبح في مستويات قريبة جدًا من الهواء الخارجي. هذه النتائج توضح أن السجائر الإلكترونية، وإن لم تكن خالية من المخاطر، تقلل بشكل كبير من التعرض للمواد المسرطنة.

التبغ المسخّن: تقليل دون احتراق

أجهزة التبغ المسخن (HTPs) تعتمد على تسخين التبغ دون حرقه، ما ينعكس مباشرة على طبيعة الانبعاثات. فقد أظهرت البيانات أن هذه الأجهزة تقلل انبعاث المواد السامة بأكثر من 93%. النيتروزامينات الخاصة بالتبغ انخفضت بنسبة تراوحت بين 89% و96%، فيما تراجعت الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات بحوالي 90%. ورغم أن نسب الخفض أقل من السجائر الإلكترونية، إلا أنها تظل فارقًا كبيرًا مقارنة بالسجائر التقليدية.

أكياس النيكوتين: بديل شبه خالٍ من السموم

أما أكياس النيكوتين، فهي لا تحتوي على تبغ أصلاً، بل على نيكوتين ممزوج بمواد داعمة. أوضحت الدراسة أن معظم المنتجات التجارية تحتوي على مستويات من TSNAs دون حدود الكشف. وحتى في الحالات التي رُصدت فيها آثار، لم تتجاوز 0.35% إلى 10% من كمية TSNAs الموجودة في سيجارة واحدة. أما الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، فلم تُرصد إطلاقًا، في حين كانت بقية المركبات الضارة بمستويات مشابهة للعلاجات البديلة للنيكوتين (NRTs).

الأدلة السريرية: من المختبر إلى جسم الإنسان

لفهم الفارق بين التدخين التقليدي والمنتجات الخالية من الدخان لا يكفي الحديث بشكل عام، بل يجب النظر إلى الأرقام الدقيقة التي توضح حجم الانخفاض في المواد السامة. يبيّن الجدول التالي، استنادًا إلى بيانات دراسة Niessner (2025)، مقارنة شاملة بين السجائر التقليدية والسجائر الإلكترونية وأجهزة التبغ المسخّن وأكياس النيكوتين، مع إبراز نسب انخفاض أهم المركبات الضارة وتأثيرها على مستوى الخطورة المسرطنة.

الفئة السجائر التقليدية (Cigarettes) السجائر الإلكترونية (ECs) التبغ المسخّن (HTPs) أكياس النيكوتين (NPs)
عدد المركبات الكلية ~6500 مركّب، >100 ضار (HPHCs) أقل بكثير (انخفاض 80–99.9%) أقل بكثير (>93% انخفاض) لا تحتوي تبغ، مركبات محدودة
TSNAs (نيتروزامينات) مرتفعة جدًا (NNN، NNK مسرطنة) انخفاض >99.9% انخفاض 89–96% غالبًا دون حد الكشف، أو 0.35–10% من سيجارة
PAHs (هيدروكربونات عطرية متعددة الحلقات) مرتفعة جدًا (Benzo[a]pyrene) انخفاض 95.7–99.9% (قريب من هواء البيئة) انخفاض ~90% غير موجودة إطلاقًا
CO (أول أكسيد الكربون) مرتفع شبه معدوم أقل بكثير من التدخين معدوم
المخاطر المسرطنة (Cancer potency) عالية جدًا أقل خطورة بـ 100–500 مرة أقل خطورة بـ 40–50 مرة مشابهة للعلاجات البديلة (NRTs)
الخلاصة أخطر وسيلة لاستهلاك النيكوتين خفض هائل للسموم والمخاطر خفض كبير للسموم لكن أقل من ECs تكاد تخلو من السموم، الأكثر أمانًا

لا تكفي قياسات الانبعاثات الكيميائية وحدها للحكم على مستوى الخطورة، بل يجب النظر أيضًا إلى التأثيرات البيولوجية المباشرة على جسم الإنسان. هنا تأتي أهمية الأدلة السريرية والمخبرية التي استعرضها Niessner، والتي تُظهر كيف ينعكس انخفاض السموم في الانبعاثات على صحة الخلايا والأنسجة وعلى المؤشرات الحيوية لدى المستهلكين.

في المختبرات، كشفت تجارب in vitro أن الخلايا المعرضة لبخار السجائر الإلكترونية أو التبغ المسخّن تُظهر مستويات أقل بكثير من تلف الحمض النووي (DNA damage) والإجهاد التأكسدي مقارنة بالخلايا التي تتعرض لدخان السجائر التقليدية. هذه النتائج ليست مجرد تفاصيل تقنية، بل تعني أن العمليات الأولية المرتبطة بتطور السرطان وأمراض الرئة والقلب قد تكون أضعف بكثير عند استخدام البدائل.

أما على مستوى البشر، فقد بينت الدراسات السريرية أن مستخدمي السجائر الإلكترونية وأجهزة تسخين التبغ يسجلون انخفاضًا ملحوظًا في المؤشرات الحيوية (biomarkers) المرتبطة بالخطر الصحي. على سبيل المثال، انخفضت مستويات أول أكسيد الكربون في الدم بشكل كبير عند المدخنين الذين تحولوا إلى هذه البدائل. كما تراجعت مؤشرات الالتهاب المزمن والإجهاد التأكسدي التي تُعد من العوامل الممهدة للإصابة بأمراض القلب والشرايين. حتى النيكوتين، رغم بقائه حاضرًا، أظهر مسار امتصاص مختلفًا أقل ارتباطًا بالسموم الأخرى التي يطلقها الاحتراق.

إضافة إلى ذلك، اعتمدت الدراسة على نماذج رياضية لحساب “الخطورة المسرطنة” (cancer potency) لمختلف المنتجات. وجاءت النتائج صارخة: السجائر الإلكترونية أقل خطورة بما يتراوح بين 100 و500 مرة من التدخين التقليدي، بينما تقل خطورة التبغ المسخّن بما يتراوح بين 40 و50 مرة. هذه الفوارق الضخمة لا تعني غياب الخطر، لكنها تمثل نقلة نوعية في حجم الضرر المحتمل، وهو ما يعطي هذه البدائل قيمة حقيقية في استراتيجيات الحد من الضرر.

رغم النتائج المشجعة والإيجابية حول منتجات النيكوتين البديل، تسلط دراسة Niessner  الضوء على أن الصورة لم تكتمل بعد. فلا تزال هناك حاجة تستدعي المزيد من الأبحاث المتعمقة.

خلاصة القول

تضع دراسة Niessner النقاش حول المنتجات الخالية من الدخان على أرضية صلبة من الأرقام والبيانات العلمية. فالانخفاض الكبير في انبعاث المواد السامة ليس مجرد ادعاء تسويقي، بل حقيقة موثقة بالأدلة السمية والسريرية. السجائر الإلكترونية تخفض السموم بنسبة تقارب 99%، أجهزة تسخين التبغ تقللها بأكثر من 90%، وأكياس النيكوتين تكاد تكون خالية تمامًا من المركبات المسرطنة. هذه الفوارق الرقمية تُترجم إلى احتمالية أقل بكثير للإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين، وإن لم تلغها كليًا.

لكن الرسالة الأساسية ليست أن هذه المنتجات آمنة، بل أنها أقل ضررًا. بالنسبة للمدخنين الذين لا ينوون التوقف عن استهلاك النيكوتين، تمثل هذه البدائل خيارًا واقعيًا لتقليل المخاطر. أما بالنسبة لغير المدخنين، فلا توجد أي مبررات لبدء استخدامها. التحدي الحقيقي أمام صانعي السياسات الصحية هو كيفية تبني نهج متوازن: حماية غير المدخنين والأحداث من البدء في استهلاك النيكوتين، مع منح المدخنين البالغين فرصة الوصول إلى بدائل أقل ضررًا.

إن اعتماد استراتيجية الحد من الضرر لا يعني التنازل عن مكافحة التدخين، بل يمثل توسيعًا لأدوات الصحة العامة، بحيث تشمل ليس فقط من يقررون الإقلاع، بل أيضًا من يجدون صعوبة في ذلك. وفي نهاية المطاف، ما قدمته دراسة Niessner هو دليل إضافي على أن الطريق نحو مجتمع أقل معاناة من أمراض التدخين قد يمر عبر الانفتاح على بدائل مدروسة، مبنية على الأدلة العلمية لا على التخوفات وحدها.

المصادر :

Niessner, R. The potential of smoke-free products to reduce harm for smokers: what does the toxicological evidence say?. Intern Emerg Med (2025). https://doi.org/10.1007/s11739-025-04093-0

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments