في خطوة مهمة في منطقة الخليج، أقرّ مجلس الوزراء الإماراتي اللائحة الفنية لأكياس النيكوتين الخالية من التبغ، مُمهّدًا الطريق أمام سوق منظم وقانوني لهذه المنتجات.
القرار الصادر في مايو 2025، يندرج ضمن استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تقليل أضرار التبغ، وتوسيع نطاق وسائل الإقلاع الأكثر أمانًا، بدلًا من فرض سياسات الحرمان أو المنع.
مقاربة واقعية ومبنية على الأدلة
لسنوات، بقيت أكياس النيكوتين الخالية من التبغ غير معرفة قانونيًا، لا هي محظورة رسميًا ولا منظمة بشكل واضح، مما جعل استخدامها وانتشارها في السوق عرضة للاجتهادات الفردية. لكن مع اعتماد اللائحة الفنية رقم UAE.S 5061:2025، أصبح لهذه الفئة من المنتجات إطار قانوني واضح يحدد المعايير التي يجب الالتزام بها، عبر وجوب الحصول على شهادة مطابقة من هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس.
بناءً على الجدول المرفق بقرار مجلس الوزراء رقم 2 لسنة 2025، وبحسب موقع الشرق الأوسط المتحد، فإن اللائحة الفنية الجديدة تحدد بشكل دقيق المواصفات الفنية للمنتجات المسموح بها في الأسواق الإماراتية، وتشمل:
- النقاء الكيميائي للنيكوتين المستخدم.
- المواد المضافة والعطور المسموح بها.
- الحد الأقصى المسموح به لتركيز النيكوتين.
- ضوابط التعبئة والتغليف والتحذيرات الصحية الإلزامية.
- حظر استهداف القُصّر من خلال التصميم أو الإعلانات.
- ضرورة وجود ملصقات تعريفية واضحة باللغة العربية.
اللائحة أيضًا تُلزم الشركات المصنعة أو المستوردة بالحصول على شهادة مطابقة من هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس (ESMA)، مما يعزز الرقابة على الجودة ويمنع تسرب المنتجات الرديئة أو المقلّدة إلى السوق.
هذه الخطوة تعكس تحولًا جذريًا في المقاربة الإماراتية لمكافحة التدخين، عبر اعتماد سياسة واقعية تهدف إلى تقليل الضرر وتشجيع المدخنين على الانتقال إلى بدائل أقل خطورة. فهي لا تعني تشجيع الاستهلاك، بل تنظيمه لضمان السلامة العامة، ومنع المنتجات الرديئة والتسويق غير المسؤول.
التجربة السعودية : نموذج إقليمي يُحتذى به
قبل أن تخطو الإمارات هذه الخطوة، كانت المملكة العربية السعودية قد سبقتها في تنظيم سوق أكياس النيكوتين، وقدّمت نموذجًا ناجحًا في إطار سياسات الحد من أضرار التبغ. فقد ساعدت التجربة السعودية في خفض معدلات التدخين بفعالية، وساهمت في انتقال أكثر من 400 ألف شخص من التدخين التقليدي إلى بدائل نيكوتين منظمة وأكثر أمانًا، من خلال حملات توعية، وإتاحة منتجات مثل أكياس “Dzrt” في الفعاليات الكبرى مثل موسم الرياض.
في خطوة نحو #مليون_مقلع_عن_التدخين بالمملكة 🇸🇦
الرئيس التنفيذي للشركة يؤكد لصحيفة Saudi Gazette:
“تمكنت #شركة_بدائل من مساعدة نحو 400 ألف مدخن على ترك السجائر، منهم 140 ألف شخص ممن انتقلوا إلى استخدام #دزرت نجحوا في التخلص نهائيًا من النيكوتين.”لقراءة المزيد:…
— Badael Company | شركة بدائل (@badaelco) April 17, 2025
هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، بل من سياسة ذكية اعتمدت على التنظيم بدلًا من الحظر، وعلى المراقبة بدلًا من الإنكار. وقد أثبتت التجربة أن توفير بدائل قانونية وآمنة يمكن أن يكون أكثر نجاعة من حملات المنع والتجريم التي تدفع المستهلك نحو السوق السوداء.
في هذا السياق، تأتي الخطوة الإماراتية لتُكمل مسارًا إقليميًا بدأته السعودية، وتمنح زخمًا أكبر لفكرة أن الحد من أضرار التبغ لا يتحقق إلا من خلال الاعتراف الواقعي ببدائل النيكوتين وتنظيمها لا محاربتها.
خطوة إماراتية بمفعول إقليمي
اللائحة الفنية الجديدة لا تمثل فقط إطارًا تشريعيًا، بل إعلانًا واضحًا عن تحول في الرؤية والسياسات. فهي تؤكد أن الإمارات تنظر إلى مكافحة التدخين كقضية صحة عامة يجب التعامل معها بأدوات علمية وعملية مثل أكياس النيكوتين أو السجائر الالكترونية. بدلًا من انتهاج سياسات تقييدية تحرم المدخن من البدائل وتُبقيه أسيرًا للسجائر، تُمنح له فرصة حقيقية للانتقال إلى منتج منظم، خالٍ من التبغ، ويخضع لرقابة الدولة.
وتكمن أهمية هذا التنظيم أيضًا في قدرته على التأثير خارج الحدود. ففي منطقة تتردد فيها بعض الحكومات في تقنين أو حتى مناقشة بدائل التدخين، تُشكل التجربة الإماراتية مع السعودية معًا كتلة مرجعية جديدة قد تحفّز دولًا أخرى، في الشرق الأوسط او شمال أفريقيا، على إعادة النظر في سياساتها.
باختصار، ما بدأته السعودية و أكملته الإمارات، قد يصبح نواة لتحول جذري في طريقة تعامل العالم العربي مع قضية التدخين، حيث تتراجع الأحكام الأيديولوجية لصالح الأدلة العلمية، وتُفسح السياسات الواقعية المجال أمام مستقبل خالٍ من التدخين.