تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة خبرًا مفاده أن العراق يحظر السجائر الإلكترونية بشكل كامل. لكن حتى هذه اللحظة، لم يصدر أي بيان رسمي على موقع مجلس النواب يؤكد أو يوضح تفاصيل هذا القرار المنتظر.

رغم غياب التصريح الرسمي، إلا أن موقع “Tobacco Reporter” نقل عن مسؤولين في وزارة الصحة العراقية نيتهم فرض حظر شامل على استيراد وتوزيع وبيع السجائر الإلكترونية في البلاد، وذلك ضمن حملة وطنية أوسع تهدف للحد من أضرار التبغ وحماية الصحة العامة، خصوصًا فئة الشباب.

تحديث :

في أول تصريح رسمي بشأن قرار حظر السجائر الإلكترونية في العراق، ظهر رئيس لجنة الصحة النيابية ماجد شنكالي في مقطع فيديو على منصة إنستغرام معلنًا ان اللجنة قد صوتت بالاجماع على هذا الحضر. مؤكدًا أن القرار يأتي انسجامًا مع ما وصفه بـ”اتجاه عالمي لحظر الفيب”، مشيرًا إلى أن دولاً كبرى مثل المملكة المتحدة قد بدأت فعليًا بتنفيذ هذا الحظر.

غير أن هذه التصريحات تحتوي على مغالطات واضحة، أبرزها الإشارة الخاطئة إلى أن المملكة المتحدة حظرت السجائر الإلكترونية بالكامل. في الواقع، المملكة المتحدة لا تزال تُعد من أكثر الدول دعمًا للفيب كوسيلة للإقلاع عن التدخين، وتوصي بها المؤسسات الصحية العامة، مثل هيئة الصحة الوطنية (NHS). ما تعتزم الحكومة البريطانية تطبيقه هو حظر جزئي يقتصر على السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد (Disposable Vapes)، وذلك لأسباب تتعلق بحماية البيئة ومنع وصول هذه المنتجات إلى القاصرين لا لحظر الفيب كبديل للمدخنين البالغين.

الترويج لمعلومات غير دقيقة كهذه يُثير القلق، خصوصًا عندما يُستخدم كتبرير لتشريع سياسات قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فالحظر التام للسجائر الإلكترونية لا يضع حدًا لاستخدامها بقدر ما يدفع السوق نحو المنتجات غير القانونية وغير الخاضعة للرقابة، مما يُشكل خطرًا أكبر على صحة المستخدم.

فضلًا عن ذلك، فإن هذا الحظر قد يُلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الوطني من خلال تقييد سوق ناشئة يمكن أن تساهم في خلق فرص عمل وتقليل أعباء الرعاية الصحية على المدى الطويل.

تناول مقال نُشر في موقع “مدار الساعة” بتاريخ 14 مايو 2025، تداعيات قرار الحكومة الأردنية السابقة بحظر السجائر الإلكترونية، مسلطًا الضوء على الآثار السلبية لهذا القرار. حيث أن الحظر في الاردن أدى إلى زيادة التهريب وانتشار منتجات غير خاضعة للرقابة، بما في ذلك تلك المصنّعة محليًا بطرق غير آمنة، مما يثير مخاوف صحية جدية. كما نوه إلى أن الدولة فقدت مصدرًا مهمًا للدخل نتيجة لهذا الحظر، في حين أن المنتجات المهربة تُباع دون أي رقابة أو اختبارات جودة كما كان يحدث سابقًا.

هذا الطرح يتماشى مع توجهات العديد من الدول التي اختارت تنظيم سوق السجائر الإلكترونية بدلاً من حظرها، إدراكًا منها بأن التنظيم والرقابة يوفران حماية أفضل للمستهلكين ويحدان من انتشار المنتجات غير الآمنة. وبالتالي، فإن اعتماد سياسات تنظيمية مدروسة قد يكون الخيار الأنسب لتحقيق التوازن بين حماية الصحة العامة والحفاظ على مصادر الدخل الوطني.

خلفية الحظر : دوافع صحية وتنظيمية

بحسب المصدر، صرّح الدكتور وسيم كيلاني، نائب مدير البرنامج الوطني لمكافحة التبغ، بأن السجائر الإلكترونية تمثل مصدر قلق متزايد بسبب انتشارها السريع بين الفئات العمرية الشابة، لا سيما المراهقين. وأشار إلى أن التصاميم الجذابة والنكهات المختلفة تجعل هذه المنتجات مغرية للأطفال والمراهقين، مما قد يؤدي إلى الإدمان على النيكوتين في سن مبكرة.

الكيلاني يرى أن الأجهزة الإلكترونية لتبخير النيكوتين قد تؤثر على وظائف الدماغ والنمو المعرفي لدى المستخدمين صغار السن، وهو ما دفع وزارة الصحة إلى إدراجها ضمن مشروع قانون جديد يُعرف باسم “قانون الحماية من الآثار الضارة للتبغ”، والذي يتضمن أيضًا آليات تنفيذ صارمة تشمل فرض غرامات، مصادرة الأجهزة، ومساءلة قانونية للمخالفين.

هذا التوجه الجديد يأتي بعد أسابيع قليلة من إعلان مشروع “قانون مكافحة التبغ” الجديد في العراق، الذي تكلمنا عنه سابقًا على موقعنا بتاريخ 15 أبريل 2025. القانون يهدف إلى تنظيم شامل لسوق النيكوتين، ولا يقتصر على السجائر التقليدية فحسب، بل يشمل جميع منتجات التبغ والنيكوتين، بما في ذلك السجائر الإلكترونية والسوائل الخاصة بها.

يتضمّن المشروع بنودًا حازمة، من بينها حظر التدخين في الأماكن العامة والمغلقة مثل المؤسسات الحكومية، والمدارس، والجامعات، والمساجد، إضافة إلى منع التدخين داخل المركبات الخاصة التي تقلّ الأطفال. كما يفرض القانون غرامات مالية قد تصل إلى 50 ألف دينار عراقي على المخالفين، ويشترط وجود لاصق جمركي معتمد على جميع منتجات التبغ المستوردة، بما في ذلك منتجات الفيب.

كذلك يشمل القانون حظرًا شاملًا لأي نوع من الإعلانات أو الترويج التجاري لمنتجات تحتوي على النيكوتين، سواء عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل.

السجائر الإلكترونية: نظرة علمية وواقعية

السجائر الإلكترونية والإقلاع عن التدخين

بينما تبدو نوايا الحكومة العراقية متمحورة حول حماية الصحة العامة، إلا أن الحظر الكامل لـ السجائر الإلكترونية قد يُفهم على أنه تجاهل الدور الإيجابي الذي لعبته هذه المنتجات في دول أخرى ساعدت فيها ملايين الأشخاص على الإقلاع عن التدخين التقليدي.

تشير دراسة أجرتها هيئة الصحة العامة البريطانية إلى أن السجائر الإلكترونية أقل ضررًا بنسبة تصل إلى 95% مقارنة بالسجائر التقليدية. هذا الرقم، الذي أصبح مرجعًا عالميًا، يستند إلى مراجعات شاملة للبحوث العلمية التي تقوم بمقارنة الفيب بالتدخين الناتج عن احتراق التبغ.

ولم يتوقف الأمر عند الأمان النسبي فقط، بل أثبتت مراجعة كبرى أجرتها مجموعة “كوكرين” العلمية أن السجائر الإلكترونية تُعد من بين أفضل ثلاث وسائل فعالة لمساعدة المدخنين على الإقلاع. الدراسة قارنت بين السجائر الالكترونية وبدائل النيكوتين التقليدية كالعلكة واللصقات، ووجدت أن الفيب يزيد من فرص الإقلاع عن التدخين.

التجارب الدولية : بين التنظيم والتشجيع

دول كالمملكة المتحدة ونيوزيلندا وحتى دول الجوار اعتمدت مقاربة مختلفة تمامًا عما يُقترح الآن في العراق. فبدلًا من الحظر، قامت هذه الدول بتنظيم سوق السجائر الإلكترونية بصرامة، مع فرض معايير على جودة المنتجات، والتحكم في النكهات، وحظر البيع للقاصرين، لكن دون حرمان المدخنين من فرصة الحصول على وسيلة أقل ضررًا تساعدهم على الإقلاع.

معدلات التدخين في الولايات المتحدة هي الأدنى على الإطلاقالنتائج كانت مشجعة إذ سجلت المملكة المتحدة تراجعًا في معدلات التدخين إلى أدنى مستوياتها منذ بدء التسجيل الإحصائي، وذلك بفضل دمج استراتيجيات “الحد من أضرار التبغ” في سياسات الصحة العامة.

ولكن يبقى السؤال المطروح اليوم في العراق: هل الحظر الكامل أداة فعالة فعلاً؟ أم أنه سيفتح الباب أمام سوق سوداء غير خاضعة للرقابة، حيث تنتشر منتجات غير آمنة مصنّعة دون معايير واضحة

التجارب حول العالم تشير إلى أن الحظر عادة لا يؤدي إلى اختفاء المنتج من السوق، بل فقط إلى خروجه من دائرة التنظيم، مما يزيد من المخاطر بدلًا من تقليصها. وفي بلد يعاني من ضعف في تنفيذ القوانين ووجود شبكات تجارة غير رسمية، قد يؤدي هذا القرار إلى نتائج عكسية تمامًا.

الحاجة إلى توازن مدروس

التوازن بين الفوائد والمخاطر

في ظل التحركات التشريعية الحالية في العراق، يصبح من الضروري أن تتبنى السياسات الصحية العامة نهجًا متوازنًا يدمج بين الحماية والواقعية. لا يمكن إنكار أن حماية الأطفال والمراهقين من الإدمان على النيكوتين هو هدف مشروع ومطلوب، ولكن بالمقابل لا ينبغي أن يؤدي هذا إلى تجاهل حقيقة أن السجائر الإلكترونية قد أثبتت فعاليتها في تقليل أضرار التدخين، ووفرت وسيلة أقل ضررًا لـ الملايين من المدخنين البالغين حول العالم.

بدلًا من فرض الحظر الكامل، يمكن للحكومة العراقية أن تنظر في خيارات تنظيمية ذكية تسمح بمراقبة هذا القطاع المتنامي بدل تركه في الظل. التنظيم الفعّال يشمل، على سبيل المثال، تحديد عمر قانوني لشراء واستخدام هذه المنتجات، ومراقبة جودة السوائل والأجهزة. هذه الاستراتيجية لا تقلل فقط من المخاطر الصحية، بل تعزز أيضًا من قدرة الدولة على التدخل عند ظهور أي مشكلات متعلقة بهذه المنتجات.

ردود فعل الشارع : مخاوف شخصية واقتصادية

ردود فعل الشارع العراقي

لم يكن قرار الحظر المقترح مجرد خبر سياسي عابر، بل أثار صدمة حقيقية بين مستخدمي السجائر الإلكترونية وأصحاب المتاجر المتخصصة في بيعها، خاصة بعد تصويت لجنة الصحة النيابية لصالح المشروع. العديد من المواطنين اعتبروا القرار مساسًا بالحريات الشخصية، حيث يرى البعض أن التحول إلى الفيب كان قرارًا واعيًا يهدف لتقليل الضرر، لا الترويج لعادات سيئة جديدة.

حذيفة، أحد مستخدمي السجائر الإلكترونية، تحدّث لموقع Kurdistan24 مؤكدًا أنه لجأ إلى الفيب بعد معاناة مع التدخين التقليدي: “كنت أدخن السجائر، لكن بسبب رائحتها وأضرارها على الأسنان والصدر، قررت التحول إلى الفيب لأنه أقل ضررًا. وإذا ما تم منعه، فسيتجه الشباب إلى بدائل أسوأ”. هذه الشهادة تعكس نظرة واقعية بين أوساط الشباب الذين لا يرون في الفيب مجرد موضة، بل وسيلة بديلة عن منتج أكثر خطورة.

ومن جهة أخرى، عبّر أصحاب المحلات عن قلق بالغ من تداعيات القرار المحتمل، لا سيما على المستوى الاقتصادي. محمد باسم، صاحب محل لبيع منتجات الفيب، قال في تصريح لـ Kurdistan24: “نحن كعمال وأصحاب محلات سنتضرر بشكل مباشر. وإذا تم الحظر، فإن معظم الشباب سيتجهون إلى السجائر والأراكيل. أما أنا، فلن أجد عملاً آخر إن انتهى هذا المشروع”. ما يطرحه محمد لا يمثّل مجرد رأي فردي، بل يعكس واقع مئات العاملين في هذا القطاع الناشئ.

في الوقت الذي تعمل فيه لجنة الصحة على تمرير القانون بشكل نهائي داخل البرلمان، يعيش العاملون في هذا المجال حالة من الترقب والقلق، وسط غياب أي إشارات رسمية توضح آليات التعويض أو إعادة التأهيل المهني. فهل تأخذ السياسات الصحية الجديدة في العراق بعين الاعتبار التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لمثل هذه القرارات؟ أم أن الفاتورة سيتحمّلها المواطن البسيط، من المستخدمين إلى أصحاب الرزق اليومي؟

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية