في خطوة محورية نحو تعزيز الصحة العامة ومكافحة التدخين بوسائل أقل ضررًا، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة رسميًا عن السماح ببيع أكياس النيكوتين الصناعي، بدءًا من يوليو 2025، بموجب اللائحة الجديدة UAE.S 5061:2025 التي تنظم هذه المنتجات وفقًا لمعايير دقيقة تشمل الجودة والسلامة والتغليف.
تنظيم محكم لصحة المستهلك
وفقًا للائحة التي أصدرتها وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، تعتبر أكياس النيكوتين الصناعي منتجات تُستخدم فمويًا وتوضع بين اللثة والشفاه، مما يسمح بامتصاص النيكوتين دون الحاجة إلى الاحتراق، وهي ميزة مهمة تقلل من تعرّض المستهلك للمواد الضارة الناتجة عن حرق التبغ.
وتشمل المعايير التي يجب على الشركات الالتزام بها ما يلي:
- استخدام نيكوتين بدرجة صيدلانية معتمدة وفق المعايير الأوروبية أو الأمريكية.
- منع استخدام المواد الضارة أو المحظورة.
- تحديد أقصى محتوى نيكوتين بـ 20 ملغ لكل كيس.
- تغليف يمنع الأطفال من فتحه، مع تحذيرات صحية واضحة باللغتين العربية والإنجليزية.
- اجتياز اختبارات السمّية، والتحقق من استقرار المنتج طوال فترة صلاحيته.
ومن المقرر دخول هذه اللوائح حيز التنفيذ في 29 يوليو 2025.
من السويد إلى الإمارات: الاستفادة من التجارب الناجحة
استلهمت الإمارات هذه الخطوة من النجاح الكبير الذي حققته السويد في خفض معدلات التدخين باستخدام بدائل النيكوتين الخالية من الدخان، مثل أكياس النيكوتين الصناعي. ووفقًا للإحصاءات، فقد انخفضت معدلات الإصابة بسرطانات الرئة والفم والمريء والمعدة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وأكد باتريك هيلدينغسون، مدير قسم الاتصالات في شركة فيليب موريس المنتجة لأكياس “زين”، أن “استبدال السجائر بمنتجات النيكوتين البديلة كان له تأثير إيجابي كبير على الصحة العامة في السويد”، مضيفًا: “الكثير من المدخنين لا يقلعون، ولذلك نحتاج لتوفير بدائل تقلل من مخاطر حرق التبغ”.
سوق ناشئة تحمل آفاقاً واعدة
تشير التوقعات إلى أن سوق السجائر الإلكترونية وأكياس النيكوتين الصناعي في الإمارات سيشهد نموًا ملحوظًا، حيث يُتوقع أن تصل قيمته إلى 78 مليون دولار خلال عام 2025، وفقًا لتقديرات شركة Statista.
ويعكس هذا النمو المتزايد اهتمام المستهلكين بالمنتجات الأقل ضررًا، خصوصًا في ظل ارتفاع نسب المدخنين في الإمارات والشرق الأوسط، والتي تبلغ 12% و20% على التوالي.
خطوة رائدة تستحق الاقتداء بها
يمثل هذا القرار تحولًا نوعيًا في نهج الإمارات نحو الصحة العامة. فهو لا يقتصر فقط على طرح منتج جديد، بل يُجسد تحولًا تشريعيًا نحو مفهوم “الحد من الضرر”، الذي بات يلقى قبولًا عالميًا كاستراتيجية فعالة لتقليل الأعباء الصحية المرتبطة بالتبغ.
وتؤكد هذه الخطوة أن الحلول الفعالة لا تكمن فقط في محاربة التبغ بالمنع، بل بتوفير بدائل عملية وآمنة لمن لا يستطيعون الإقلاع نهائيًا. أكياس النيكوتين الصناعى – بجرعاتها المنظمة و معاييرها الصارمة – تُعتبر خيارًا واعدًا لخفض الاعتماد على النيكوتين تدريجيًا، وتقليل المخاطر الصحية الناتجة عن التدخين.
وفي ظل استمرار معدلات التدخين المرتفعة في العالم العربي، تبرز أهمية أن تسير الدول العربية الأخرى على خطى الإمارات، عبر تحديث تشريعاتها وتشجيع البدائل منخفضة الضرر. إن اعتماد مثل هذه السياسات من شأنه أن يحمي الصحة العامة ويقلل من التكاليف الصحية طويلة الأمد المرتبطة بأمراض التبغ.
الإمارات تتبنى سياسة شاملة تجاه بدائل التبغ
لا يُعد السماح ببيع أكياس النيكوتين الصناعي أول خطوة تتخذها حكومة الإمارات العربية المتحدة في مجال الحد من أضرار التبغ، بل تندرج ضمن سلسلة من السياسات التدريجية والواعية. ففي عام 2019، أعلنت الحكومة عن السماح رسميًا ببيع السجائر الإلكترونية ومنتجات الفيب في الأسواق الإماراتية، بشرط خضوعها لمواصفات فنية صارمة تضمن الجودة والسلامة العامة.
جاء هذا القرار آنذاك استجابة لتغيرات السوق العالمية، ونتيجة للاهتمام المتزايد بالمنتجات البديلة كوسيلة لتقليل الضرر الواقع على المدخنين، خاصة أولئك غير القادرين على الإقلاع الكامل عن التدخين.
وبدمج هذه السياسات، ترسم الإمارات ملامح استراتيجية وطنية متكاملة لمكافحة التبغ بوسائل عملية وحديثة، من خلال تشجيع الانتقال إلى بدائل أكثر أمانًا وأقل ضررًا. سواء كانت السجائر الإلكترونية أو أكياس النيكوتين أو غيرها من منتجات الفيب، فإن الهدف النهائي هو تقليل معدل الوفيات والأمراض المرتبطة بالتدخين التقليدي، وتحسين الصحة العامة للمجتمع.
هذا التوجه يُبرز نموذجًا عربيًا رياديًا، يُمكن أن تستلهم منه باقي دول المنطقة خططها الصحية، بما يضمن الجمع بين الحد من الضرر، وتشجيع الابتكار في الحلول الصحية البديلة، دون المساس بحقوق المستهلك أو سلامته.
دعم علمي وتشريعي في آن واحد
اللافت في الخطوة الإماراتية أنها لم تُبْنَ على قرارات ارتجالية أو ضغوط تجارية، بل جاءت نتيجة رؤية صحية مدروسة تستند إلى أدلة علمية وتجارب دولية ناجحة. فقد تبنّت الحكومة منهجًا علميًا متكاملًا، مزج بين المقاربة التشريعية الوقائية والدعم البحثي والتقني، من خلال سن لائحة فنية شاملة تحمي المستهلك وتوجه السوق.
تفرض اللائحة اشتراطات صارمة تشمل آليات تقييم سمّية متقدمة، تغليف آمن، وتحذيرات شفافة، إضافة إلى مراقبة دورية للتأكد من ثبات تركيبة المنتجات على مدى فترة صلاحيتها. هذا التنظيم يضمن تقديم منتج صحي وآمن، ولا يكتفي بمجرد الترخيص له.
من الناحية المؤسسية، تُظهر هذه المبادرة وعيًا بالتوجهات العالمية الحديثة، التي تميز بين النيكوتين كعنصر يمكن تنظيمه، والتبغ كمنتج يحتمل أضرارًا كبيرة ناتجة عن الاحتراق. وهذا التمييز ضروري لإعادة صياغة السياسات الصحية التقليدية بشكل يتماشى مع واقع المستهلكين وسلوكهم.
وبينما تواصل بعض الدول فرض الحظر الكامل على بدائل التبغ، تظهر الإمارات كدولة سبّاقة في المنطقة تقدم نموذجًا عمليًا متقدمًا يوازن بين الصحة العامة وحرية الاختيار. وهي تجربة يُمكن أن تكون مصدر إلهام للدول العربية التي تبحث عن حلول مبتكرة وقائمة على الأدلة العلمية في معركتها ضد التبغ.