بدأت المملكة المتحدة بتاريخ 1 يونيو 2025 تنفيذ قرار حظر بيع السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد، وهي خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين الأوساط الصحية والبيئية والاجتماعية. في حين اعتبرتها الحكومة وسيلة للحد من التلوث البلاستيكي وحماية الأطفال من الوقوع في فخ الإدمان، يرى خبراء الصحة العامة أن الحظر قد يأتي بنتائج عكسية، خاصة مع ظهور تقارير ودراسات تتوقع أن يدفع هذا القرار عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف، للعودة إلى التدخين التقليدي.

في هذا المقال، نرصد أهم ما جاء في الجدل الدائر حول هذا القرار، ونستعرض نتائج دراسة حديثة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية BMJ، والتي حذرت من أن الحظر قد يكون عديم الجدوى بل وضارًا في بعض النواحي.

حظر السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد حل غير مجدي

تأتي خلفية القرار البريطاني بحظر أجهزة الفيب ذات الاستخدام الواحد مدفوعة أساسًا بمخاوف بيئية. فقد كشفت الحكومة أن ملايين الأجهزة تُلقى أسبوعيًا، ويصعب إعادة تدويرها بسبب احتوائها على بطاريات الليثيوم والمعادن الثقيلة. وأفاد تقرير رسمي أن 5 ملايين جهاز يتم التخلص منها كل أسبوع في بريطانيا، ما يخلق أزمة بيئية حقيقية ومخاطر على حياة الأطفال والحيوانات.

كما أن انتشار هذه الأجهزة بين المراهقين دفع السلطات إلى اتخاذ موقف حازم. فقد كشفت هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) أن نسبة لا بأس بها من المراهقين يستخدمون هذه الأجهزة، مدفوعين بألوانها الجذابة ونكهاتها المختلفة.

لكن في المقابل، يرى العديد من الخبراء أن هذا القرار تجاهل جوانب مهمة تتعلق بالصحة العامة، خصوصًا في ما يتعلق باستخدام هذه الأجهزة كوسيلة فعالة للإقلاع عن التدخين. حيث أن السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد غالبًا ما تكون الخطوة الأولى للمدخنين الذين يسعون للإقلاع، بفضل سهولة استخدامها وتكلفتها المنخفضة مقارنةً بالأجهزة المتقدمة.

بحسب استطلاع أجرته مؤسسة يوجوف YouGov وشمل أكثر من 4,000 شخص، فإن 12% من مستخدمي السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد صرّحوا بأنهم سيعودون إلى التدخين إذا لم تتوفر لهم بدائل مناسبة. وهذا الرقم، عند ترجمته إلى عدد المستخدمين في بريطانيا، يعني أكثر من 200,000 شخص مرشحون للعودة إلى التدخين بسبب هذا الحظر.

كما أظهر نفس الاستطلاع أن 54% من المستخدمين سيتحولون إلى أجهزة قابلة لإعادة الشحن، و15% سيتوقفون تمامًا عن استهلاك النيكوتين، فيما أكد 9% أنهم سيلجؤون إلى بدائل أخرى كاللصقات والعلكة.

ومن المهم الإشارة إلى أن فئة الشباب بين 18 و24 سنة هي الأكثر عرضة للعودة إلى التدخين عند انعدام البدائل، إذ بلغت نسبتهم 16% في هذا الاستطلاع.

دراسة BMJ : الحظر انتكاسة صحية باسم حماية البيئة

في مقال نُشر على صفحات BMJ – المجلة الطبية البريطانية بتاريخ 9 يونيو 2025، حذّر عدد من الأطباء والباحثين من أن قرار حظر السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد في المملكة المتحدة قد يؤدي إلى نتائج عكسية على الصحة العامة. حمل المقال عنوانًا لافتًا: “هل يؤدي حظر السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد إلى 200,000 مدخن جديد؟”، في إشارة مباشرة إلى تقديرات مقلقة تفيد بأن مئات الآلاف قد يعودون إلى التدخين التقليدي نتيجة غياب البدائل المناسبة.

أوضح الدكتور Stuart Griffiths، المدير التنفيذي لجمعية Yorkshire Cancer Research، أن 18% من مستخدمي أجهزة السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد صرّحوا بأنهم قد يعودون إلى التدخين إذا فُرض هذا الحظر دون توفير بدائل عملية. هذا الرقم، الذي يُعادل تقريبًا واحدًا من كل ستة مستخدمين، يُترجم إلى أكثر من 200,000 شخص في عموم بريطانيا. وأشار إلى أن هذه الأجهزة، رغم كونها محل جدل بيئي، تمثل حلًا عمليًا وفعّالًا للفئات ذات الدخل المحدود، التي قد لا تتمكن من تحمّل تكلفة الأجهزة القابلة لإعادة الاستخدام أو صيانتها.

“لقد كشف بحثنا أن 18% من مستخدمي السجائر الالكترونية ذات الاستخدام الواحد صرّحوا أنهم قد يعودون إلى التدخين إذا لم يجدوا بديلاً مناسبًا، وهذا أمر مقلق للغاية.” الدكتور Griffiths، المدير التنفيذي لجمعية Yorkshire Cancer Research

من جهتها، حذّرت Hazel Cheeseman، المديرة التنفيذية في منظمة ASH البريطانية، من أن الحظر قد يُفاقم الفجوة الصحية والاجتماعية، إذ يُفترض أن السياسات العامة تراعي العدالة في الوصول إلى وسائل الإقلاع عن التدخين، لا أن تعيقها. بينما شددت الدكتورة Debbie Robson، الباحثة في King’s College London، على أن نجاح أي تدخل حكومي في مجال الحد من التدخين يعتمد على كونه جزءًا من استراتيجية شاملة، لا قرارًا معزولًا مدفوعًا بالقلق البيئي فقط.

أما البروفيسور John Britton، وهو أحد أبرز المتخصصين في سياسات الصحة العامة في المملكة المتحدة، فقد أكد أن الخطورة لا تكمن فقط في الحظر بحد ذاته، بل في عدم وجود خطة موازية تسهّل الانتقال إلى بدائل فعّالة. وبحسب نتائج أبحاث سابقة، فإن استخدام السجائر الإلكترونية – لا سيما أجهزة السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد – كان أكثر فاعلية من اللصقات والعلكة في دعم الإقلاع، بنسبة نجاح تفوق 79%. ولهذا، فإن سحب هذه الأداة من السوق بشكل مفاجئ وبدون مسارات بديلة، قد يُعيد جهود مكافحة التبغ سنوات إلى الوراء.

خلاصة القول

إن قرار حظر السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد في بريطانيا يعكس نية حكومية جادة في حماية البيئة والأجيال القادمة من المراهقين. لكن تكمن المشكلة في غياب خطة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المدخنين السابقين أو الحاليين الذين يعتمدون على هذه الأجهزة كوسيلة للإقلاع.

فإذا كان الهدف هو تقليل استهلاك النيكوتين، فإن دفع مئات الآلاف للعودة إلى السجائر التقليدية يُعد فشلًا للسياسة الصحية، لا نجاحًا. وبدلًا من الحظر الكلي، يمكن التفكير في تنظيم السوق، كمنع الإعلانات الموجهة للأطفال، أو فرض رسوم على الأجهزة ذات الاستخدام الواحد، مع تحسين برامج الدعم للإقلاع عن التدخين.

حيث أثبتت التجارب العالمية أن نهج “المنع الكامل” لا يؤدي إلى نتائج ايجابية، بل يزيد من المشكلة عبر اختلاق مشاكل أخرى مثل ازدهار السوق السوداء. المطلوب اليوم هو سياسة متوازنة تراعي البيئة دون إعاقة جهود الإقلاع عن التدخين.

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

المقال السابقمراجعة بود Xlim Pro2 DNA من شركة Oxva
Ahmad AL-FARAJI
مؤسس النسخة العربية من موقع Vaping Post , كنت من المعجبين بقيمة المعلومات التي ينشرها هذا الموقع بنسختيه الإنجليزية والفرنسية. في بداية 2020 خطرت لي فكرة حول حاجة مستخدم الفيب العربي لمعلومات بهذه الجودة ولكن باللغة العربية. بصفتي مدخنًا سابقًا تمكن من ترك التدخين بفضل الفيب ، شعرت على الفور بالحاجة إلى نقل هذه المفاهيم للحد من مخاطر التدخين.
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments