اعتبارًا من 1 سبتمبر/أيلول 2025، دخلت سنغافورة مرحلة جديدة في سياساتها تجاه الفيب، حيث لم يعد التعامل مع هذه الأجهزة مقتصرًا على قوانين مكافحة التبغ كما في السابق. بموجب الإجراءات الجديدة، ستُضاعف العقوبات المفروضة على الأفراد الذين يتم ضبطهم وهم يمتلكون أو يستخدمون أو يشترون أجهزة الفيب، مع إمكانية إخضاع المستخدمين المكررين لبرامج إلزامية لإعادة التأهيل والعلاج والإشراف وحتى الاحتجاز، بعد أن كانت العقوبة سابقًا تقتصر غالبًا على الغرامات المالية.
في خطوة أكثر تشددًا، تم تصنيف مادة “الإتوميدات” (Etomidate) ومشتقاتها كمخدرات من الفئة C ضمن قانون إساءة استعمال المخدرات (Misuse of Drugs Act 1973)، وذلك بشكل مؤقت لمدة ستة أشهر، ريثما تصدر وزارة الصحة تشريعًا أكثر شمولية. هذا القرار يعني أن أي شخص يقوم باستيراد أو بيع أو توزيع أجهزة الفيب التي تحتوي على هذه المادة سيواجه محاكمات تحت إطار قوانين المخدرات، ما يترتب عليه عقوبات أشد بكثير من القوانين السابقة. حتى المستخدمون الذين يثبت تعاطيهم لسوائل تحتوي على الإتوميدات، سواء عبر الضبط المباشر أو الفحص، قد يواجهون إجراءات علاج وتأهيل إلزامي، أو إشراف إجباري، أو حتى الاحتجاز.
بهذا الانتقال، أصبحت سنغافورة تتعامل مع الفيب كقضية مخدرات، في نهج غير مسبوق عالميًا، ما يثير تساؤلات حول الأثر الفعلي لهذا القرار، خاصة في ظل غياب أدلة علمية تدعم هذا الخلط بين أجهزة الفيب والمواد المخدرة.
خلط مقلق بين الفيب والمواد المخدّرة
الإشكالية الأساسية في هذا القرار تكمن في الخلط بين جهاز الفيب نفسه وبين نوع محدد من السوائل الإلكترونية يُعرف بـ Kpods.
فالإتوميدات ليست مادة موجودة في جميع سوائل الفيب، بل رُصدت في حالات محدودة جدًا ضمن منتجات غير قانونية جرى تهريبها أو تصنيعها بشكل سري.
مادة الإتوميدات (Etomidate) هي دواء طبي يُستخدم في المستشفيات كمخدر عام قصير المفعول، خصوصًا لإحداث التخدير السريع قبل العمليات الجراحية أو قبل التنبيب او البتر (intubation) في أقسام الطوارئ والعناية المركزة.
لماذا أصبح مرتبطًا بقضية الفيب في سنغافورة؟
– في الأشهر الماضية، كشفت السلطات السنغافورية عن حالات ضبط سوائل فيب تحتوي على الإتوميدات، والتي كان يتم تسويقها على أنها “بودات” تمنح تأثيرًا مهدئًا أو شعورًا بالانتشاء.
– هذه السوائل تُعرف باسم Kpods، وهي منتجات محدودة الانتشار وغير مرتبطة بالسوق النظامي للفيب.
– بدل التركيز على هذه السوائل فقط، اختارت الحكومة تشديد العقوبات على جميع أجهزة الفيب، مما أدى إلى خلط القضية بين الفيب كمنتج نيكوتيني وبين المخدرات.
لكن طريقة طرح القرار وتصريحات بعض المسؤولين تعمم المشكلة وكأن كل منتجات الفيب مرتبطة بمخدرات، في حين أن غالبية مستخدمي الفيب حول العالم — وحتى في سنغافورة نفسها — يعتمدون على سوائل نيكوتينية قانونية في كثير من الدول ولا علاقة لها بالمخدرات.
هذا الخلط يُربك الرأي العام ويُضعف الثقة في السياسات الصحية، لأنه يُحوّل جهازًا يُستخدم في برامج الحد من أضرار التدخين في دول مثل بريطانيا والسويد إلى رمز جنائي مرتبط بتجارة المخدرات. كما أنه يُنقل المسؤولية من المهرّبين والمصنّعين غير الشرعيين إلى المستخدم النهائي، الذي يصبح عرضة لعقوبات صارمة حتى لو لم يكن على علم بمحتوى السائل.
تأثيرات مباشرة على المسافرين
هذا النهج الجديد لا يقتصر أثره على المواطنين، بل يشمل أيضًا المقيمين والزائرين. فقد أوضحت الحكومة السنغافورية أن أي أجنبي يتم ضبطه وهو يحمل أجهزة فيب — حتى لو لم تكن تحتوي على مواد مخدرة — قد يتعرض لغرامات ومصادرة الجهاز، ومع التكرار يمكن أن تصل العقوبات إلى إلغاء التأشيرة أو تصريح الإقامة.
وقد دفعت هذه الإجراءات عدة دول إلى إصدار تحذيرات رسمية لمواطنيها.
- السفارة الفلبينية في سنغافورة نشرت بيانًا دعت فيه مواطنيها إلى الامتناع تمامًا عن حمل أو استخدام أجهزة الفيب، مشيرة إلى أن العقوبات تشمل الغرامات والسجن وحتى الترحيل.
- وزارة الهجرة المصرية بدورها حذّرت المسافرين من أن المطارات والمنافذ الحدودية في سنغافورة تكثف التفتيش، وأن المسؤولية تقع على المسافر نفسه، وليس على شركات الطيران أو الوكلاء السياحيين.
هذا يعني أن أي مسافر عربي أو أجنبي يتوجه إلى سنغافورة يجب أن يتجنب حمل أي أجهزة فيب أو سوائل، حتى لو كانت لأغراض شخصية، لأن القوانين الجديدة لا تفرق بين المستخدم العادي والمزوّد غير الشرعي.
هل يستند القرار إلى أدلة علمية؟
تؤكد التجارب الدولية أن السياسات العقابية البحتة لا تُحقق دائمًا الأهداف المرجوة في قضايا الصحة العامة.
- في المملكة المتحدة مثلًا، يتم تنظيم سوق الفيب قانونيًا وتُستخدم هذه المنتجات ضمن استراتيجيات الإقلاع عن التدخين، ما أدى إلى انخفاض معدلات التدخين بشكل غير مسبوق.
- في السويد، أدى السماح بمنتجات بدائل النيكوتين مثل السنوس والفيب إلى اقتراب البلاد من أن تكون خالية من التدخين، مع معدلات أمراض أقل بكثير مقارنة بجيرانها.
على النقيض، لا يوجد حتى الآن دليل علمي واضح يثبت أن تجريم مستخدمي الفيب يقلل من انتشار السوائل المخدرة مثل Kpods. بل إن هذا الخلط قد يدفع السوق إلى العمل في الخفاء، ما يصعّب مراقبة المنتجات ويزيد من المخاطر الصحية للمستهلكين.
الأكثر خطورة أن تجريم الجهاز نفسه يعيق جهود التوعية، لأن السلطات الصحية ستضطر إلى ملاحقة المستخدمين العاديين بدل التركيز على العصابات التي تروّج للسوائل المخدرة. وهذا قد يخلق بيئة مشابهة لتجارب فاشلة في الحرب على المخدرات في دول أخرى، حيث ترتفع التكاليف الاجتماعية دون تحقيق نتائج ملموسة.
انعكاسات إقليمية ودولية
تأتي خطوة سنغافورة في وقت تتخذ فيه دول أخرى مسارات مختلفة:
- ماليزيا تناقش تنظيم سوق الفيب بدل حظره كليًا، مع فرض قيود على التسويق لحماية القاصرين.
- إندونيسيا، التي تمتلك واحدًا من أكبر أسواق الفيب في آسيا، تركز على مكافحة السوائل الملوثة بالمخدرات من خلال أنظمة مراقبة وفحوص، بدلًا من تجريم جميع المنتجات.
- في دول اخرى، اختارت بريطانيا والسويد دمج الفيب في سياسات الصحة العامة، بينما تفرض دول مثل بلجيكا وأستراليا قيودًا صارمة، لكن دون تصنيفه كقضية مخدرات.
هذا التباين يُبرز أن سياسة سنغافورة استثناء متطرف مقارنةً بالنهج السائد عالميًا.
خلاصة القول
قرار سنغافورة بتصنيف بعض سوائل الفيب المخدّرة مثل Kpods كمخدرات من الفئة C أمر مفهوم في إطار حماية المجتمع من المواد المحظورة. لكن توسيع نطاق العقوبات ليشمل كل أجهزة الفيب ومستخدميها يُمثل خلطًا خطيرًا بين قضيتين منفصلتين:
تنظيم منتجات النيكوتين كجزء من الصحة العامة.
-
- مكافحة المخدرات عبر إنفاذ القانون ضد السوائل غير القانونية.
- هذا الخلط يهدد بإضعاف ثقة الجمهور في السياسات الصحية، ويعرّض المسافرين والمستخدمين العاديين لعقوبات قاسية دون مبرر علمي واضح.
الطريق الأمثل هو استهداف دقيق للمخاطر الفعلية — أي المواد المخدرة مثل الإتوميدات — مع تمييز تشريعي واضح بين هذه القضايا وبين سوق الفيب التقليدي. بذلك يمكن حماية المجتمع دون التضحية بمبادئ الصحة العامة أو حقوق الأفراد.