لا شك أن التدخين يُعد من أبرز المسبّبات المباشرة للأمراض المزمنة والقاتلة حول العالم، بما في ذلك أمراض القلب والرئة والسرطان. لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن بعض العادات اليومية التي تبدو غير ضارة، مثل شرب الشاي الساخن، قد تزيد بشكل كبير من التأثيرات الضارة للتدخين عندما تُمارَس بالتزامن معه.

دراسة نُشرت في مجلة Annals of Internal Medicine كشفت عن علاقة مقلقة بين الحرارة المرتفعة للمشروبات والتدخين، خاصة فيما يتعلق بسرطان المريء. فكيف يمكن لعادتين يوميتين، مألوفتين، أن تتحوّلا إلى تهديد مزدوج للصحة؟

التدخين: سلسلة من الأضرار المعروفة والمتراكمة

التدخين السلبي

التدخين يؤثر سلبًا على معظم أجهزة الجسم، بدءًا من القلب إلى الرئتين وصولًا إلى الجهاز المناعي. عند استنشاق الدخان، تدخل مئات المواد الكيميائية إلى مجرى الدم، وتبدأ بإحداث تلف خلوي وأكسدة تؤدي إلى التهابات مزمنة وتدهور وظيفي في الأنسجة. من أبرز آثاره المعروفة:

أمراض القلب والشرايين: التدخين يرفع ضغط الدم ويزيد من تصلب الشرايين، مما يضاعف من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات.

السرطان: يُعتبر السبب الأول لسرطان الرئة، ويرتبط بسرطانات أخرى تشمل الفم، الحنجرة، المثانة، البنكرياس، الكلى، والمريء.

مشكلات التنفس: يسبب التهابًا مزمنًا في الشعب الهوائية، ويؤدي إلى أمراض مثل الانسداد الرئوي المزمن (COPD).

إضعاف الجهاز المناعي: يجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى ويُبطئ قدرته على الترميم.

كما أن أضرار التدخين لا تقتصر على المدخنين فقط، بل تمتد إلى المحيطين بهم من خلال ما يُعرف بالتدخين السلبي، وهو خطر حقيقي لا سيما على الأطفال وكبار السن.

عادات يومية… تُفاقم أضرار التدخين دون أن ندري

رغم الإدراك المتزايد لأضرار التدخين، إلا أن كثيرين لا يدركون أن بعض السلوكيات اليومية البسيطة قد تُضاعف من هذه الأضرار بشكل كبير، وتحوّل التأثيرات التدريجية للتدخين إلى تهديدات أكثر حدة وتسارعًا.

من أبرز هذه الممارسات هو الجمع بين شرب المشروبات الساخنة جدًا والتدخين، وهي عادة شائعة في العديد من الثقافات، خاصة في فترات الراحة أو الجلسات الاجتماعية. عند تناول الشاي أو القهوة بدرجات حرارة مرتفعة، تتعرض بطانة المريء والفم والحنجرة لتلف حراري دقيق، يُضعف الحاجز الواقي الطبيعي للخلايا. هذا التلف لا يكون مرئيًا أو محسوسًا فورًا، لكنه يفتح الطريق أمام السموم والمركبات المسرطنة الموجودة في دخان التبغ لتتغلغل بشكل أعمق في الأنسجة.

كما أن نمط الحياة قليل الحركة وسوء التغذية يفاقمان من هذه الآثار. فالجسم الذي لا يتلقى عناصر غذائية كافية، أو لا يمارس نشاطًا بدنيًا منتظمًا، يُصبح أقل قدرة على إصلاح الضرر الخلوي، وأقل كفاءة في مقاومة العوامل المسرطنة. وحين يُضاف التدخين إلى هذا السياق، فإن الجهاز المناعي يجد نفسه مثقلًا بعبء مزدوج، ما يجعل المسارات الالتهابية المزمنة هي الوضع الطبيعي داخل الجسم، ويزيد من فرص تطور الأمراض.

إن خطورة هذه التراكمات لا تكمن فقط في ضرر كل عادة على حدة، بل في التفاعل بينها. فعندما يجتمع التدخين مع الحرارة الشديدة الناتجة عن المشروبات، وسط بيئة جسم ضعيفة المناعة أو التغذية، فإن احتمال تلف الخلايا وتحوّلها إلى خلايا سرطانية يصبح أعلى بكثير.

آلية الخطر: ما مشكلة الشاي الساخن والتدخين؟

تحدي النيكوتين أم العادات؟

تشير الدراسة إلى أن شرب الشاي شديد السخونة بانتظام، بالتزامن مع التدخين، يُضاعف من خطر الإصابة بسرطان المريء مقارنة بمن لا يمارسون هاتين العادتين معًا. السبب يعود إلى التأثير المشترك بين الحرارة العالية والمركبات المسرطنة الموجودة في دخان التبغ.

الحرارة المرتفعة تؤدي إلى إضعاف الحاجز المخاطي للمريء، وهو الطبقة التي تحمي الأنسجة من التلف.

في هذه الحالة، تصبح خلايا المريء أكثر عرضة للاختراق من قبل المواد المسرطنة مثل النيتروسامينات والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات الموجودة في التبغ.

هذا التفاعل المتكرر، على مدى سنوات، يزيد من احتمالية تحوّل الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية.

ولا يتوقف الخطر عند المريء فحسب، بل قد يمتد إلى الفم والحنجرة، نتيجة التعرّض المتزامن للحرارة والدخان، مما يُفاقم من احتمال الإصابة بسرطانات متعددة في الجزء العلوي من الجهاز الهضمي.

ما بين العادة والكارثة: متى يتحوّل الروتين إلى تهديد حقيقي؟

شرب الشاي الساخن قد يبدو ممارسة هادئة، خاصة في أوقات الاسترخاء، لكن حين يقترن بالتدخين، يتحول إلى خطر صامت. فبينما يعمل الشاي الساخن على إضعاف الطبقات الوقائية، يستغل التبغ هذا “الخلل المؤقت” ليمرّر مواده السامة نحو الداخل.

هذه التفاصيل الدقيقة قد لا تكون معروفة على نطاق واسع، لكنها تشكل عنصرًا حاسمًا في فهم السلوكيات التي تُضاعف من الأثر التراكمي للتدخين. وهي تذكير بأن أضرار التبغ لا تعتمد فقط على عدد السجائر أو سنوات التعاطي، بل تتأثر أيضًا بـ العادات المصاحبة له.

خلاصة القول

في عالم تتعدد فيه مسببات الخطر، لا يزال التدخين يحتل موقع الصدارة كأحد أكثر السلوكيات تدميرًا للصحة. لكن الأسوأ هو حين يُقترن بعادات يومية تضاعف من أضراره، مثل شرب الشاي شديد السخونة.

التوعية بهذه العلاقات الخفية بين العادات الصحية والمُضرّة يمكن أن تمثّل فارقًا كبيرًا في الوقاية، وتمنح الأفراد فرصة إعادة النظر في سلوكياتهم اليومية. فالتدخين وحده كافٍ لإضعاف الجسم، فكيف إذا رافقته عناصر أخرى تُسرّع من انهيار الدفاعات الطبيعية للجسم؟

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

المقال السابقمراجعة أكياس النيكوتين Daku Limitless
Ahmad AL-FARAJI
مؤسس النسخة العربية من موقع Vaping Post , كنت من المعجبين بقيمة المعلومات التي ينشرها هذا الموقع بنسختيه الإنجليزية والفرنسية. في بداية 2020 خطرت لي فكرة حول حاجة مستخدم الفيب العربي لمعلومات بهذه الجودة ولكن باللغة العربية. بصفتي مدخنًا سابقًا تمكن من ترك التدخين بفضل الفيب ، شعرت على الفور بالحاجة إلى نقل هذه المفاهيم للحد من مخاطر التدخين.
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments