تعود مرة اخرى الدراسات الخاطئة حول السجائر الالكترونية، بنفس المشاكل المعتادة كافتقار المنهجية العلمية، استخدام بيانات خام دون معالجة واخيرا التشكيك في الدافع وراء الدراسة. هناك دراسة جديدة لم تنشر حتى، نشر منها البيان الصحفي الخاص بها فقط، لكنها كانت كافية لتثير الذعر في وسائل الإعلام.
البيان الصحفي
قبل أسابيع قليلة، أثارت دراسة جديدة الذعر لدى العديد من المختصين. تتهم هذه الدراسة السجائر الإلكترونية بأنها مسؤولة عن وجود خلايا سرطانية “مرتبطة بالتطور المستقبلي لسرطان الرئة”. وبينما وُصفت استنتاجاتها بأنها استخدمت بيانات “خام” أو حتى “مشكوك في صحتها”، ليتم بعدها نشر بيان صحفي لدراسة جديدة. في المؤتمر السنوي للكلية الأمريكية لأمراض القلب، الذي اختتم أعماله أمس في أتلانتا (الولايات المتحدة الأمريكية).
استخدم هذا البحث الجديد، مثل البحث السابق، البيانات التي تم جمعها خلال المسح الوطني الأمريكي. ووفقا للدراسة، من بين 175667 مشاركا، أصيب 3242 بقصور في القلب. وبعد إجراء حسابات مختلفة (لم يتم ذكر أسس وطريقة الحساب) نشر بيان صحفي، أشار الباحثون إلى أن “الأشخاص الذين استخدموا السجائر الإلكترونية في مرحلة ما كانوا أكثر عرضة للإصابة بقصور القلب بنسبة 19% من الأشخاص الذين لم يستخدموا السجائر الإلكترونية مطلقًا”.
لم ينشر من الدراسة سوى مقتطف بسيط فقط، وعلى الرغم من عدم القدرة على التحقق من المنهجية المستخدمة للتوصل إلى هذا الاستنتاج. لكن بعض الجمل التي ظهرت في البيان الصحفي تبدو مشبوهة منذ البداية.
ادعاءات
ذكر البيان الصحفي، أولا إن “الباحثين لم يجدوا أي دليل على أن عمر المشاركين أو جنسهم أو او تاريخ التدخين لديهم أدى إلى استنتاج العلاقة بين السجائر الإلكترونية وفشل القلب”. أما التدخين، الذي اثبت فعلا أن له آثاراً ضارة كثيرة على القلب، فلم يذكر في هذه الدراسة.
ولدعم النتائج التي توصلوا إليها، ذكر الباحثون أيضًا أن هذه النتائج “تتوافق مع الدراسات السابقة على الحيوانات، والتي أفادت أن استخدام السجائر الإلكترونية قد يؤثر على القلب بطرق ذات صلة بالتغيرات القلبية المرتبطة بقصور القلب”. وكما تشير أكاديمية العلوم الطبيعية في سويسرا، إذا كانت دراسة الأدوية ذات صلة بالحيوانات، لا سيما أنه على الرغم من اختلافها مع البشر، فإن “قابلية المقارنة كبيرة بما يكفي بالنسبة لنا لنكون قادرين على استنتاج مبادئ الدراسة”.
تختلف الأمور تمامًا عندما يتعلق الأمر بدراسة أمراض معينة. «العديد من الأمراض متعددة العوامل؛ تتضافر عدة ظروف لتسبب المرض. وبما أن العوامل المختلفة تلعب دورًا، فيجب أخذ كل منها في الاعتبار،” كما تحدد الأكاديمية.
من خلال النظر في عوامل خطر فشل القلب، تخبرنا موسوعة فيدال أنه إذا كان التدخين مسؤولاً، فإن الشيء نفسه ينطبق على الكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، والسكري، والإفراط في تناول الكحول، والنظام الغذائي الغني بالملح، أو حتى نمط الحياة غير المستقر. فهل كانت جميع البيانات المتعلقة بهذه العوامل موجودة في تلك البيانات التي استخدمها العلماء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل تم أخذها بعين الاعتبار؟ ووفقا للبيان الصحفي، فإن استهلاك الكحول ومنتجات التبغ الأخرى فقط هو الذي سيؤخذ في الاعتبار. ماذا عن جميع عوامل الخطر الأخرى؟
وأخيراً ينتهي البيان الصحفي على النحو التالي:
“قال الباحثون عند مراقبة بيانات الدراسة يسمح لهم بهذا الاستنتاج، ولكن لم يتم تحديد العلاقة السببية بشكل قاطع، بين استخدام السجائر الإلكترونية وفشل القلب”.
كل ذلك من أجل ماذا؟
ويبدو من المثير للاهتمام أيضًا ملاحظة أنه في نهاية العام الماضي، أجرى نفس مجموعة الباحثين دراسة أخرى تربط بين استهلاك القنب وزيادة خطر الإصابة بقصور القلب. وحتى الآن، وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على تقديم هذه الدراسة، لا تزال الدراسة غير قابلة للتعقب او التدقيق، ومرة أخرى، تم نشر مقتطف منها فقط للعامة.
الإعلام يستعجل كالعادة
قامت العديد من وسائل الإعلام العالمية الكبرى في الحديث عن هذه الدراسة التي، نذكركم، أنها لم تُنشر بعد. ليتم نشر كم هائل من العناوين: نشرت صحيفة ميترو البريطانية هذا العنوان “التدخين الإلكتروني يزيد من خطر الإصابة بفشل القلب بنسبة 20% تقريبًا”، بينما اختارت صحيفة “إنديان إكسبريس” هذا العنوان “دراسة تكشف أن التدخين الإلكتروني يزيد من خطر الإصابة بقصور القلب بنسبة 19%”. و لماذا السجائر الإلكترونية ليست آمنة للشباب؟
من جانبها، اختارت الإندبندنت طريقة زرع الفضول بين قرائها بهذا العنوان ”الأطباء يكشفون آثار التدخين الإلكتروني على القلب”، في حين اختارت فوربس “المخاطر الصحية المرتبطة بالسجائر الإلكترونية: دراسة تشير إلى زيادة بنسبة 20% تقريباً في مخاطر التدخين الإلكتروني”. و أمراض القلب المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية.
نشرت صحيفة التايمز و فوكس نيوز على التوالي عنوان “التدخين الإلكتروني مرتبط بزيادة خطر الإصابة بقصور القلب” و”تدخين السجائر قد يدمر الرئتين، لكن دراسة جديدة صادمة تكشف لماذا يمكن أن يضر التدخين الإلكتروني بالقلب”. ناهيك عن وسائل الإعلام العربية التي أخذت بترجمة جميع هذه العناوين.
لكن نسأل، أين المصداقية؟ خاصة وأن واجب الإعلام هو نقل الحقيقة. قائمة العناوين لاتزال طويلة بالتأكيد لكنها تشير إلى موجة جديدة قادمة في الحرب ضد السجائر الإلكترونية.
المصادر :
1 DNA methylation changes in response to cigarette smoking are cell-and exposure-specific and indicate shared carcinogenic mechanisms with e-cigarette use, Cancer Research (2024). DOI: 10.1158/0008-5472.CAN-23-2957
2 Electronic nicotine product use is associated with incident heart failure – the all of us research program, yakubu bene-alhasan, Samuel O. Mensah, Omar Almaadawy, Matthew Dwumah-Agyen, Adhvithi Pingili, Michelle Mlilo, and Albert D. Osei. J Am Coll Cardiol. 2024 Apr, 83 (13_Supplement) 695, https://www.jacc.org/doi/full/10.1016/S0735-1097%2824%2902685-8
3 Daily Marijuana Use is Associated With Incident Heart Failure: “All of Us” Research Program. Yakubu Bene-Alhasan, Albert D Osei, Anita Tammara, Omar Almaadawy, Matthew Dwumah-Agyen, Samuel Mensah and Bethel Woldu. Originally published6 Nov 2023. https://doi.org/10.1161/circ.148.suppl_1.13812. Circulation. 2023;148:A13812