نشرت قبل عدة أسابيع دراسة بعنوان (التدخين واستخدام السجائر الإلكترونية تؤدي إلى حدوث تغييرات مشتركة في الحمض النووي المرتبطة بالإصابة بالسرطان). عنوان مرعب ومثير، أشعل صفحات الانترنت في الأسابيع الماضية.
بشكل متعمد تحاول هذه النوعية من الدراسات والأبحاث التسبب في نشر الرعب والقلق حول تأثيرات استخدام السجائر الإلكترونية، على الرغم من أن البيانات التي تم نشرها تعرف في المجتمع العلمي بـ “البيانات الخام”. اي انها لم يجرى عليها تحليل وتدقيق.
عندما تحاول الدراسات ركوب الترند
قبل أسابيع قليلة، تم نشر دراسة جديدة أجرتها جامعة كوليدج لندن (UCL). تنظر في التغييرات التي سجلتها خلايا معينة، والتي تظهر بشكل خاص في الأشخاص المصابين بسرطان الرئة أو في مرحلة ما قبل السرطان. ولإجراء هذا البحث، استخدم العلماء 3500 عينة مأخوذة من المدخنين وكذلك مستخدمي السجائر الإلكترونية “الذين دخنوا أقل من 100 سيجارة في حياتهم”.
“هذه هي الدراسة الأولى التي تبحث في تأثير التدخين واستخدام السجائر الإلكترونية على أنواع الخلايا المختلفة – بدلاً من الدم – وسعينا أيضًا إلى النظر في الآثار طويلة المدى لاستخدام السجائر الإلكترونية على الصحة”، ابتهجت الدكتورة كيارا هرتزوغ، الباحثة الأولى في هذه الدراسة.
وبعد تحليل العينات، لاحظ الباحثون أن “مستخدمي السجائر الإلكترونية يظهرون تغيرات جينية مماثلة في خلايا الفم مثل المدخنين، وترتبط هذه التغييرات بالتطور المستقبلي لسرطان الرئة لدى المدخنين”.
من جانبه، قال البروفيسور مارتن فيدشفندر، أحد الباحثين في الدراسة، إن هذا البحث “يؤكد حقيقة أن مستخدمي السجائر الإلكترونية يظهرون نفس التغييرات الجينية، ولكن قد تكون هذه الأجهزة ليست ضارة كما كان يعتقد في البداية”.
وكان هذا كافياً لبعض وسائل الإعلام لتتصدر مقالاتها الصحفية بطريقة مثيرة للقلق. حتى اصبح الموضوع ترند دون ان يبذل الباحثون في الدراسة أي مجهود. حيث قامت مجلة Medical Xpress المتخصصة، مباشرة بنشر بيان صحفي يفيد بنتائج الدراسة، بعنوان: “لوحظت تغيرات مماثلة في الحمض النووي في خلايا المدخنين ومستخدمي السجائر الإلكترونية”.
بيانات “خام” ونتائج “مشكوك فيها”
وعندما ننظر إلى البيان الصحفي ونركز في الدراسة، نجد ان الباحثون يعترفون بأنفسهم أنه “لا يمكننا القول إن السجائر الإلكترونية تسبب السرطان بناءً على دراستنا”.
وهذا هو الأمر الذي قد تم تأكيده من قبل العديد من الباحثين الذين أجرت جمعية الفيب في المملكة المتحدة (UKVIA) مقابلات معهم. وبحسب ما ورد قال بيتر شيلدز، الأستاذ الفخري لعلم الأورام الطبية بجامعة ولاية أوهايو، إن “أجزاء مهمة من المعلومات في هذه الدراسة مفقودة” ووصف البيانات المستخدمة في الدراسة بأنها “خامة”. وأكد أيضًا على حقيقة أنه لم يتم التحقق من تاريخ مستخدمي السجائر الإلكترونية إن كانوا قد دخنوا التبغ من قبل او لا. بمعنى آخر، يمكن أن تكون التغيرات الجينية التي لوحظت في مستخدمي السجائر الإلكترونية نتيجة للتدخين الحالي أو في الماضي.
بينما وصفت الدكتورة مارينا ميرفي (الموظفة السابقة في شركة British American Tobacco وJuul Labs Inc.)، رئيسة الشؤون العلمية والطبية في MME International، نتائج هذه الدراسة بأنها “مشكوك فيها للغاية”، فقد أشارت أيضًا إلى أنه لا يمكن للظاهرة التي لوحظت في هذه الدراسة أن تكون “مؤشرًا حتى لو ضعيفًا لخطر الإصابة بسرطان الرئة” فحسب، بل يمكن أيضًا ملاحظة تأثيرات مماثلة في الدراسات السابقة لدى مستخدمي أكياس النيكوتين. وبفضل سنوات من البحوث لم تسجل علامات خطر للإصابة بالسرطان بعد استخدامها”.
ومن الجدير بالذكر وعلى عكس ما قاله البروفيسور فيدشفندر، لم يسبق لأي شخص او جهة القول ان استخدام السجائر الالكترونية “غير ضار”. السيجارة الإلكترونية هي أداة للحد من مخاطر التدخين. إذا كان هناك إجماع علمي الآن على أن استخدامها أقل خطورة على الصحة من التدخين، فهذا لا يعني ان الفيب لعبة او هواية ويجب أن يقتصر استخدامها على المدخنين الراغبين في الإقلاع عن التدخين فقط.
المصدر :
1 DNA methylation changes in response to cigarette smoking are cell-and exposure-specific and indicate shared carcinogenic mechanisms with e-cigarette use, Cancer Research (2024). DOI: 10.1158/0008-5472.CAN-23-2957