في المعركة المستمرة ضد استهلاك التبغ واستخدام السجائر الالكترونية، تتبع دول العالم أما استراتيجية الحظر والمنع أو استراتيجية التنظيم والتقنين. تبنت كل من نيوزيلندا وأستراليا، أساليب مختلفة في التعامل مع السجائر الإلكترونية، مما أدى إلى نتائج متباينة في معدلات التدخين. تقدم الاستراتيجيات المتبعة في البلدين تأثيرات على معدلات التدخين بين مختلف الفئات العمرية دليلا مقنعًا حول فعالية السجائر الالكترونية كأداة فعالة للحد من الضرر.
نتائج متناقضة: تجربة بلدين
تبنت نيوزيلندا منذ عام 2020 موقفًا مؤيدا للسجائر الالكترونية. وكان هذا القرار يهدف إلى تقليل معدلات التدخين دون زيادة كبيرة في استخدام السجائر الإلكترونية بين الشباب. كان النهج الذي تتبعه الدولة يعتمد على البيانات والنتائج ويركز على إمكانية توفير هذه الاجهزة للبالغين الذين يتطلعون إلى الإقلاع عن التدخين مع تنفيذ تدابير صارمة لمنع بيعها للقاصرين وغير المدخنين.
أدى هذا التنظيم المتوازن إلى انخفاض بنسبة 39% في معدلات التدخين بين البالغين وانخفاض ملحوظ بنسبة 50% بين الفئات الاجتماعية من محدودي الدخل. إلى جانب زيادة بنسبة 125% فقط في معدلات استخدام السجائر الالكترونية بين البالغين. وتشير هذه التغييرات إلى انتقال ناجح للمدخنين إلى بدائل أقل ضررا دون إغراء القاصرين وغير المدخنين.
في الجهة الأخرى، حافظت أستراليا على الحظر الفعلي على السجائر الإلكترونية، ولا تسمح ببيعها إلا من خلال وصفة طبية بهدف الحد من الوصول إليها. لم تسفر هذه السياسة التقييدية عن الانخفاض المنشود في معدلات التدخين. لم تتغير الارقام من عام 2020 إلى عام 2023. علاوة على ذلك، أدى الحظر إلى ازدهار السوق السوداء للسجائر الإلكترونية، مما أدى إلى تعقيد جهود الصحة العامة والفشل في توفير بديل أكثر أمانا للمدخنين.
الوصول إلى الهدف
يعد نجاح نيوزيلندا في خفض معدلات التدخين من خلال تنظيم السجائر الإلكترونية مثال قوي للبلدان التي تعاني من مشكلة انتشار التدخين. ويكمن مفتاح نجاحها في اتباع نهج مبني على أسس علمية يعترف بإمكانية استخدام السجائر الإلكترونية كأداة للإقلاع عن التدخين. لم تقلل هذه الإستراتيجية من انتشار التدخين بين البالغين ومحدودي الدخل فحسب، بل تمكنت أيضًا من السيطرة على ارتفاع معدلات استخدام السجائر الالكترونية. الذي يعتبر مصدر قلق غالبًا ما يستشهد به من يعارض تقنين وتنظيم السجائر الإلكترونية.
تشير الأدلة الواردة من نيوزيلندا إلى أن توفير استهلاك منظم لـ السجائر الإلكترونية يمكن أن يكمل تدابير مكافحة التبغ الحالية، مما يوفر للمدخنين طريقًا قابلاً للتطبيق للإقلاع عن التدخين مع ردع المستخدمين الجدد، وخاصة الشباب. يتناقض هذا النهج الدقيق مع السياسات الأكثر تقييدًا التي تفشل دائما في الاستفادة من إمكانية تقليل الضرر الناتج عن التدخين، كما رأينا في أستراليا.
نموذج يقتدى به
تؤكد تجربة نيوزيلندا على أهمية صنع القوانين السياسات المبنية على الأدلة العلمية في مجال الصحة العامة. عبر الموازنة الدقيقة بين فوائد السجائر الإلكترونية في الإقلاع عن التدخين والحاجة إلى منع القاصرين من استخدامها، رسمت الدولة مسارًا يمكن أن تتبعه الدول الأخرى. إن التناقض مع معدلات التدخين الراكدة في أستراليا يسلط الضوء على القيود المفروضة وسياسة الحظر والحاجة إلى حلول مبتكرة في مكافحة التبغ.
بينما يواصل العالم البحث عن استراتيجيات فعالة للحد من التدخين، تأتي نيوزيلندا لتقدم رؤية قيمة. وتوضح أنه من خلال التنظيم والتقنين المدروس، يمكن للبلدان تسخير إمكانيات الحد من الضرر الناجم عن التدخين وخفض معدلاته بشكل كبير، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر صحة.
المصادر:
– New Zealand vs. Australia: The Impact of Vaping Policies on Smoking Outcomes. Dr Colin Mendelsohn, Dr Alex Wodak AM, Professor Wayne Hall, Professor Ron Borland FASSA, Ben Youdan, Professor Robert Beaglehole.