رغم الشعبية المتزايدة للشيشة في المقاهي والمجالس وحتى المنازل، لا تزال معظم المجتمعات تتعامل معها كترفيه اجتماعي “أقل ضررًا” من التدخين التقليدي. لكن دراسة طبية حديثة نُشرت عام 2025 في مجلة Annals of Medicine and Surgery تكشف أن الشيشة تحمل مخاطر حقيقية على القلب، إذ ترتبط مباشرة بزيادة خطر الإصابة بفشل القلب (Heart Failure)، عبر سلسلة من الآليات البيولوجية المعقدة تشمل اختلال وظيفة البطينين، والإجهاد التأكسدي، والالتهابات المزمنة.

في هذا المقال، نغوص في تفاصيل الدراسة، ونفكك بالأرقام والبيانات العلمية لنحدد حجم الضرر الذي تسببه الشيشة على القلب، بعيدًا عن أي افتراضات ثقافية أو موروثات اجتماعية.

جلسة واحدة من الشيشة تعادل 200 سيجارة

تشير الدراسة إلى أن جلسة تدخين شيشة واحدة، والتي غالبًا ما تدوم من 45 إلى 60 دقيقة، تعرّض الجسم لما يعادل تدخين 100 إلى 200 سيجارة من حيث كمية الدخان المستنشق. لكن الأخطر من ذلك هو تركيبة هذا الدخان: فهو يحتوي على تركيزات مرتفعة جدًا من أول أكسيد الكربون (CO)، والمعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم، والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، والنيكوتين، وجميعها مواد ذات سمية عالية.

أول أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الفحم في رأس الشيشة يعيق نقل الأوكسجين إلى خلايا القلب، ويساهم في خلق بيئة ناقصة الأوكسجين تُجهد عضلة القلب. كما توضح الدراسة أن مستويات الكربوكسي هيموغلوبين (COHb) لدى مدخني الشيشة قد تصل إلى 12%، مقارنة بـ 5–6% لدى مدخني السجائر. هذا يؤدي إلى تضخم البطين الأيسر، أحد المؤشرات المبكرة على تطور فشل القلب.

المعادن الثقيلة كالزرنيخ والكادميوم تساهم بدورها في تصلب الشرايين وضعف انقباض عضلة القلب، بينما يتسبب النيكوتين بزيادة معدل ضربات القلب ورفع ضغط الدم وتحفيز استجابات التهابية تؤثر على أنسجة القلب. هذه المكونات مجتمعة تُحدث سلسلة من التفاعلات الضارة التي تجعل من الشيشة خطرًا مركبًا لا يستهان به على صحة القلب.

كيف تدمر الشيشة القلب بصمت وعلى مراحل؟

الدراسة توضّح أن الخطر لا يكمن فقط في التسمم الحاد، بل في التغييرات التراكمية التي تُحدثها الشيشة على مستوى أنسجة القلب. أحد أبرز هذه التغييرات هو الإجهاد التأكسدي (Oxidative Stress)، وهي حالة يزداد فيها إنتاج الجذور الحرة (ROS) وتفشل دفاعات الجسم المضادة للأكسدة في مواجهتها. هذه الجذور الحرة تتلف أغشية خلايا القلب، وتسبب موت الخلايا، وتعيق قدرة القلب على الانقباض والانبساط بفعالية.

كما ترتبط الشيشة بارتفاع واضح في مستويات المواد الالتهابية مثل TNF-α وIL-6، والتي تفعّل بدورها مسارات التهابية (مثل NF-κB و JAK-STAT) تُضعف القلب وتسبب تليفًا في الأنسجة. حتى المدخنين الشباب الذين لا يعانون من أمراض قلبية ظاهرة أظهروا مؤشرات مبكرة على ضعف انبساط القلب وانخفاض الكسر القذفي (LVEF) في دراسات سريرية عديدة.

إحدى المفاجآت التي تقدمها الدراسة هي أن الضرر قد يستمر حتى بعد الإقلاع عن الشيشة، بسبب التعديلات الجينية والـ”إبيجينية” (Epigenetics) التي تخلّفها المواد السامة على جينات الالتهاب والأكسدة. هذه التغيرات قد تبقى نشطة لسنوات، مما يطيل أمد الخطر القلبي حتى في غياب التدخين.

أرقام ودلائل من العالم العربي : الشيشة ليست أقل خطورة من التدخين

تكشف بيانات من دراسات إقليمية أن مدخني الشيشة في بلدان مثل لبنان، مصر، السعودية، وإيران يعانون من نسب مرتفعة من أمراض القلب مقارنة بغير المدخنين، بل وحتى مقارنة بمدخني السجائر أحيانًا. في دراسة شملت عدة دول شرق أوسطية، سُجلت زيادة بنسبة 30% في خطر الإصابة بفشل القلب لدى مدخني الشيشة، حتى بعد التحكم بالعوامل التقليدية مثل ضغط الدم والسكري.

الدراسة نفسها تشير إلى أن تركيزات مالوندايالدهيد (MDA) – وهو أحد مؤشرات الإجهاد التأكسدي – كانت أعلى لدى مدخني الشيشة مقارنة بغير المدخنين. كما ارتفعت مؤشرات التهابية مثل بروتين CRP وجزيئات الالتصاق الوعائي (ICAM-1 وVCAM-1)، ما يشير إلى وجود التهاب مزمن يُمهّد لتصلب الشرايين وتراجع وظيفة البطين الأيسر.

مقارنة مستويات السموم بين تدخين الشيشة والسجائر
مقارنة مستويات السموم بين تدخين الشيشة والسجائر

اللافت أن هذه التأثيرات لا تقتصر على المدخنين النشطين، بل تشمل أيضًا من يتعرضون لدخان الشيشة بشكل غير مباشر – كالأطفال والنساء في المنازل أو العاملين في المقاهي – ما يوسع من دائرة الخطر ويفرض تحديات صحية مجتمعية كبرى.

خلاصة القول: الشيشة خطر صامت على القلب

في ضوء هذه الدراسة الشاملة، لم يعد هناك مجال للشك في أن الشيشة – رغم مظهرها الاجتماعي والمريح – تُشكّل خطرًا حقيقيًا ومباشرًا على صحة القلب. نحن لا نتحدث هنا عن فرضيات، بل عن مسارات بيولوجية واضحة، وأدلة رقمية قاطعة، تربط بين الشيشة وقصور القلب، من خلال التهابات مزمنة، إجهاد تأكسدي، وتلف تدريجي في عضلة القلب.

ومع ذلك، لا يزال الخطاب العام يخلط بين الأنواع المختلفة من المنتجات النيكوتينية، ويضعها كلها في سلة واحدة. هذه الدراسة لم تتناول السجائر الإلكترونية أو منتجات الفيب، بل ركزت على تدخين الشيشة – وهو تدخين تقليدي يعتمد على احتراق التبغ والفحم. لذلك، من المهم التمييز بين وسائل الاحتراق التقليدية التي تُنتج هذه الأضرار، وبين البدائل الخالية من الاحتراق.

الشيشة، مثلها مثل السجائر التقليدية، تُعرض القلب والدماغ والرئتين إلى مستويات عالية من السموم. أما البدائل الخاضعة للتنظيم والتي لا تعتمد على الاحتراق، فلها ملف صحي مختلف تمامًا يجب أن يُقيّم بشكل منفصل وعلمي. الخلط بين هذه الوسائل لا يخدم الصحة العامة، بل قد يُضلل المستهلكين ويُبقيهم أسرى لعادات أثبت العلم أنها مميتة.

هل الشيشة او الارجيلة أقل ضررًا من تدخين السجائر؟

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

المقال السابقمراجعة بود Argus Klyc من شركة Voopoo
Ahmad AL-FARAJI
مؤسس النسخة العربية من موقع Vaping Post , كنت من المعجبين بقيمة المعلومات التي ينشرها هذا الموقع بنسختيه الإنجليزية والفرنسية. في بداية 2020 خطرت لي فكرة حول حاجة مستخدم الفيب العربي لمعلومات بهذه الجودة ولكن باللغة العربية. بصفتي مدخنًا سابقًا تمكن من ترك التدخين بفضل الفيب ، شعرت على الفور بالحاجة إلى نقل هذه المفاهيم للحد من مخاطر التدخين.
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments