في مبادرة تُقدَّم على أنها خطوة لحماية الصحة العامة، عرضت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية في مجلس النواب المغربي مقترح قانون جديد يفرض حظرًا شاملًا على التدخين بجميع أشكاله، بما في ذلك السجائر الإلكترونية (الفيب) والشيشة، في الأماكن العامة. كما يتضمن المقترح منعًا تامًا لأي دعاية أو ترويج لهذه المنتجات.

وعلى الرغم من حسن نية الهدف المعلن، إلا أن الصيغة الحالية للمقترح تُثير انتقادات حقيقية، إذ تكشف عن خلط مفاهيم جوهري بين أنواع مختلفة من منتجات النيكوتين، وتُعبّر عن منظور عقابي أكثر منه علمي، ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويضيع فرصة ثمينة لتقليل أضرار التدخين في المغرب.

العودة إلى منطق المنع

المقترح الذي قدّمه النائب مصطفى إبراهيمي جاء بدعوى “تفعيل قانون 91.15 الصادر عام 1991″، والذي لم يُنفذ على أرض الواقع بسبب غياب آليات الرقابة والتطبيق. ويبدو أن البرلمانيين اختاروا العودة إلى هذا المسار من خلال توسيع الحظر، بدلًا من تحديث المقاربة بما يتماشى مع تطورات السياسات الصحية العالمية.

ففي عرضه أمام البرلمان، قدّم إبراهيمي أرقامًا مثيرة للقلق: نحو 18 مليار سيجارة تُستهلك سنويًا في المغرب، منها 3 مليارات عبر قنوات غير قانونية، وتبلغ كلفة التدخين المباشرة وغير المباشرة أكثر من 31 مليار درهم سنويًا. كما أشار إلى تزايد استخدام السجائر الإلكترونية في صفوف الشباب بنسبة 7.7% للفئة العمرية ما بين 15 و17 عامًا.

لكن في مقابل هذه المعطيات، لم يُقدّم المقترح أيّ تحليل يُميّز بين أضرار التدخين القابل للاحتراق والسجائر الإلكترونية، رغم أن الأخيرة تُعتبر، بحسب العديد من الدراسات المستقلة، أداة فعالة لتقليل الضرر والمساعدة في الإقلاع عن التدخين.

خلط المفاهيم : عندما تعامَل السجائر الإلكترونية كالسجائر التقليدية

أبرز ما يثير الجدل في هذا المقترح هو الدمج غير المبرّر للسجائر الإلكترونية ضمن لائحة المنتجات المحظورة، دون أي إشارة إلى اختلاف طبيعتها أو مستوى ضررها مقارنة بالسجائر القابلة للاحتراق. فـ السجائر الإلكترونية لا تحتوي على التبغ، ولا تُنتج أول أكسيد الكربون أو القطران، وهما المادتان الأساسيتان التي ترتبط بأمراض التدخين.

السجائر الإلكترونية أكثر أمانًا بنسبة 95٪

التقارير الصادرة عن وكالة الصحة العامة في إنجلترا، وهي من أكثر الجهات المختصة تتبعًا للملف، تؤكد أن استخدام السجائر الإلكترونية أقل ضررًا بنسبة تصل إلى 95% من التدخين التقليدي. كما تبنّت هيئة التأمين الصحي البريطانية (NHS) الفيب كأداة ضمن برامج الإقلاع عن التدخين.

ومع ذلك، يواصل المقترح المغربي تجاهل هذا التمايز، ويُصنف كل أشكال النيكوتين ضمن خانة واحدة، وهو ما يُعتبر خطأً تشريعيًا فادحًا يضر بالصحة العامة أكثر مما يحميها.

قانون بلا أدوات تنفيذ … وسياسات بلا بدائل

حتى في حال إقرار المقترح، فإن الأسئلة تظل مطروحة حول إمكانيات تطبيقه. إذ أن الحظر الشامل على التدخين و السجائر الإلكترونية في الأماكن العامة يتطلب جهاز رقابة واسع، وموارد بشرية ومادية لضمان التطبيق، وهو ما لا يبدو متوفرًا في الوقت الحالي.

كما أن غياب استراتيجية توعية موازية، وعدم توفير بدائل أقل ضررًا للمدخنين، يعني أن القانون سيُطبّق في مناخ من المنع بدل التوعية. وهو ما قد يدفع بعض المستهلكين إلى اللجوء إلى السوق السوداء أو العودة إلى السجائر التقليدية، بدل التوجّه نحو بدائل أكثر أمانًا.

مهاجمة الشركات بدلا من فهم سلوك المستهلك

وجّه النواب في الجلسة البرلمانية انتقادات حادة لشركات التبغ والنيكوتين، واصفين إياها بأنها “مجرمة بحق الشعوب”، و اتهموها بالسعي وراء الربح على حساب الصحة العامة. ورغم حسن نية التحذير من نفوذ هذه الشركات، إلا أن إدراج جميع المنتجات تحت مسمى واحد دون تمييز لا يُعد حلًا عمليًا.

السياسة الفعالة في هذا المجال تستوجب الفصل بين شركات التبغ التي تروّج للسجائر القابلة للاحتراق، وتلك التي تطوّر بدائل منخفضة الضرر وتستثمر في البحث العلمي لتوفير منتجات انتقالية تساعد المدخنين على التوقف التدريجي.

لكن يبدو أن هذا المقترح يسير على خطى دول مثل المكسيك التي فرضت حظرًا شاملًا على التدخين والفيب دون تمييز، ما أدى في بعض الحالات إلى تعزيز السوق السوداء بدل تقليص الاستهلاك. في المقابل، نجحت دول مثل المملكة المتحدة والسويد في تقليل معدلات التدخين إلى مستويات تاريخية عبر تشجيع بدائل النيكوتين، وليس عبر قمعها.

ففي السويد، على سبيل المثال، انخفضت نسبة المدخنين البالغين إلى أقل من 6% بفضل إتاحة منتجات مثل السنوس والسجائر الإلكترونية، بينما تواصل دول الحظر العقابي تسجيل نسب مرتفعة للتدخين، دون تحسّن يُذكر.

خلاصة القول

لا خلاف على أن التدخين يشكّل أزمة صحية يجب مواجهتها، لكن الطريقة التي يُدار بها هذا الملف هي التي تُحدّد النتائج. و مقترح القانون المغربي، بصيغته الحالية، يعكس فهمًا جزئيًا للمشكلة، وحلًا جزئيًا أكثر خطورة.

بدلًا من منع جميع أشكال النيكوتين دون تمييز، كان الأجدر بالمشرّع أن يتبنّى مقاربة علمية لتقليل الضرر، تميّز بين المنتجات، وتوفّر الدعم للمدخنين الراغبين في الإقلاع، بدل أن تُغلق أمامهم كل الأبواب، تاركة خيارًا واحدًا: الاستمرار في التدخين أو اللجوء للسوق السوداء.

إن مستقبل الصحة العامة لا يُبنى على المنع فقط، بل على الفهم، والتمييز، والسياسات الذكية. وان إغلاق الباب أمام أدوات الإقلاع، هو فتح نافذة أمام استمرار الأزمة.

المغرب: ضرائب جديدة على منتجات السجائر الإلكترونية بموجب مشروع قانون المالية 2025

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments