تشهد فرنسا نقاشاً محتدماً حول مستقبل السجائر الإلكترونية بعد أن كشفت الحكومة عن مشروع قانون جديد ضمن مسودة “قانون المالية لعام 2026″. المشروع لا يكتفي بزيادة الضرائب على السوائل الإلكترونية، بل يتضمن أيضاً منع البيع عبر الإنترنت وفرض نظام ترخيص خاص على متاجر الفيب، بما يشكل تحولاً جذرياً في طريقة تنظيم هذا القطاع.
وبينما تقول الحكومة إنها تهدف لحماية الشباب والصحة العامة، يرى كثيرون أن ما يحدث هو تضييق غير مسبوق على بديل ساعد ملايين المدخنين على الإقلاع عن التبغ.
فرنسا تُعد من أكبر الأسواق الأوروبية للفيب، ويُقدّر عدد مستخدمي السجائر الإلكترونية فيها بأكثر من ثلاثة ملايين شخص، إضافة إلى آلاف المتاجر المستقلة. ولذلك، فإن تأثير هذا القانون لا يتعلق فقط بالاقتصاد، بل بالصحة العامة ومسار مكافحة التدخين نفسه.
تفاصيل مشروع القانون
زيادة الضرائب على السوائل الإلكترونية
تسعى الحكومة إلى رفع قيمة الضرائب المفروضة على كل مليلتر من السوائل الإلكترونية، سواء كانت تحتوي على نيكوتين أو لا. هذه الزيادة قد تجعل سعر عبوة 10 ملليلتر يرتفع من خمسة يورو إلى سبعة أو ثمانية يورو. وترى السلطات أن هذا الإجراء يهدف لتقليل استهلاك النيكوتين، فيما يرى المعارضون أنه سيدفع بعض المستهلكين للعودة إلى التدخين التقليدي الذي قد يصبح أقلّ تكلفة من الفيب.
منع بيع منتجات الفيب عبر الإنترنت
أحد أكثر البنود إثارة للجدل هو حظر بيع السجائر الإلكترونية والسوائل عبر الإنترنت داخل فرنسا، ما يعني أن الشراء يجب أن يتم حصراً داخل متجر فعلي. هذا القرار يهدد شريحة كبيرة من المستخدمين الذين يعتمدون على المتاجر الإلكترونية، خصوصاً في المناطق الريفية أو المدن الصغيرة، كما يعرض لتوقف أعمال العديد من المواقع التجارية التي تشتغل حصرياً في هذا المجال.
ترخيص خاص لمتاجر الفيب
يقترح المشروع كذلك إخضاع متاجر الفيب لنظام ترخيص مشابه لمحلات بيع التبغ التقليدي. فتح متجر جديد أو الاستمرار في العمل سيصبح مشروطاً بالحصول على موافقة رسمية واحترام معايير محددة في الموقع والمسافة عن المدارس وطريقة تخزين المنتجات. ويخشى أصحاب المتاجر الصغيرة من أن يؤدي هذا الإجراء إلى إغلاق واسع، خصوصاً عند دمجه مع منع البيع الإلكتروني ورفع الضرائب.
ردود فعل القطاع – قلق، غضب، وتحذيرات
قوبل المشروع برد فعل قوي من العاملين في قطاع الفيب، سواء من أصحاب المتاجر أو المصنعين أو الجمعيات المهنية مثل FIVAPE. هذه الجهات ترى أن المشروع لا يدعم الصحة العامة بل يهدد تقدماً تم تحقيقه على مدى سنوات في محاربة التدخين.
أحد ممثلي القطاع صرّح قائلاً: “إذا أصبح الفيب أغلى وأصعب في الوصول، فإن المدخنين سيعودون ببساطة إلى السجائر التقليدية. هذا القانون لا يحمي الصحة، بل يحمي صناعة التبغ.”
كما حذّر الكثير من أصحاب المتاجر من أن دمج الضرائب المرتفعة ومنع البيع على الإنترنت مع التراخيص الجديدة سيؤدي إلى إغلاق واسع النطاق، وفقدان وظائف، وعودة نشاط السوق السوداء، وهو ما يضع المستهلك أمام منتجات غير مراقبة أو خطرة صحياً.
حملة وطنية لجمع التوقيعات – أنقذوا الفيب في فرنسا –
لم يبقِ القطاع على رد فعله في حدود الإعلام والتصريحات فقط، بل انتقل إلى تحرك جماعي منظّم. أطلق الاتحاد المهني الفرنسي لصناعة السجائر الإلكترونية (FIVAPE)، حملة وطنية لجمع التوقيعات تحت عنوان “أنقذوا الفيب في فرنسا”، بهدف الوصول إلى مئة ألف توقيع من المستهلكين وأصحاب المتاجر والعاملين في القطاع. الهدف من هذه الخطوة هو ممارسة ضغط مباشر على النواب والوزراء قبل أن تُطرح النصوص للنقاش داخل البرلمان.
اعتمدت الحملة خطاباً يركز على الجانب الإنساني والاجتماعي للفيب. فقد دافعت عن حق المدخنين السابقين في الاستمرار باستخدام بديل أقل ضرراً من التبغ، محذّرة من أن فرض ضرائب مفرطة سيجعل الفيب منتجاً لا يمكن للكثيرين تحمّله، الأمر الذي قد يدفعهم للعودة إلى السجائر. كما شددت على ضرورة الإبقاء على إمكانية الشراء عبر الإنترنت حتى لا ينحصر الوصول إلى المنتجات القانونية في المدن الكبرى فقط. وركّزت أيضاً على البُعد الاقتصادي، مشيرة إلى أن آلاف الوظائف والمتاجر الصغيرة مهددة بالاختفاء إذا مرّ القانون كما هو.
تمكنت الحملة، التي أطلقها الاتحاد المهني الفرنسي لصناعة السجائر الإلكترونية (FIVAPE)، من جمع 100 ألف توقيع في 72 ساعة فقط. وهذه هي المرة الأولى التي تحقق فيها حركة مجتمعية هذا النجاح.
إحدى الرسائل الأكثر تأثيراً في الحملة جاءت من مستخدم قال: “إذا مُنعت من الوصول إلى الفيب أو أصبح سعره غير منطقي، فسأعود إلى التدخين. هذا القانون لا يحميني، بل يقتل الأمل الذي وجدته بعد سنوات من الإدمان على التبغ.”
هل تحمي هذه الإجراءات الصحة فعلاً؟
ترى الحكومة أن هدفها الأساسي هو التصدي لانتشار الفيب بين المراهقين، خاصة مع ظهور نكهات جذابة ووسائل ترويج عبر الإنترنت. لكن المنتقدين يشيرون إلى أن السجائر الإلكترونية في فرنسا تُستخدم أساساً من قبل البالغين كوسيلة للإقلاع عن التدخين، وليس كلعبة بأيدي الشباب. ويؤكدون أن الحل لا يكون بمحاصرة الفيب، بل بتنظيمه ومراقبته ودعم محتواه التوعوي.
القلق الأكبر من وجهة نظر الخبراء هو أن رفع الأسعار ومنع البيع عبر الإنترنت سيؤدي إلى نتيجتين محتومتين: إما العودة إلى التدخين التقليدي الأكثر ضرراً، أو التوجه إلى سوق سوداء تبيع سوائل غير مراقبة أو مجهولة المصدر. في كلا الحالتين، تكون الصحة العامة هي الخاسر الحقيقي.
خلاصة القول :
من المقرّر أن يتم مناقشة مشروع القانون قريباً داخل البرلمان الفرنسي. قد تُجرى تعديلات تخفف من حدة بعض البنود، خصوصاً بعد الضغط الشعبي وحملة التوقيعات، وربما يتم الإبقاء على الضرائب مع تعديل ملف البيع الإلكتروني أو التراخيص. لكن في حال صُودق على المشروع كما هو، فإن فرنسا ستكون أمام لحظة مفصلية في تاريخ قطاع الفيب، قد تدفع الكثير من المتاجر للإغلاق، وتعيد الملايين إلى التبغ أو السوق السوداء.
القضية اليوم لم تعد مالية أو تنظيمية فقط، بل أصبحت سؤالاً جوهرياً حول الصحة العامة : هل من المنطقي أن تكون مكافحة التدخين من خلال التضييق على البديل الأقل ضرراً؟