تثير الكثير من العناوين الإعلامية القلق مؤخرًا مثل : “رئة الفشار : تلف رئة مراهق والمخاطر الخفية للتدخين الإلكتروني“. حالة من الذعر لا أساس لها من الصحة: الادعاء بأن استخدام السجائر الإلكترونية يُسبب “رئة الفشار”. لطالما أُسيء استخدام هذه العبارة اللافتة للانتباه في الحرب على الفيب، والمعروفة سابقًا باسم التهاب القصيبات المسد. على الرغم من هذه الروايات تثير القلق، الا إن الحقائق – المُستندة إلى العلم، لا إلى التكهنات – تُخبرنا بقصة مختلفة تمامًا.
رئة الفشار حالةٌ نادرةٌ جدا، تُسبب ندوبًا وتُضيّق للمسالك الهوائية في الرئتين (القصيبات)، مما يُسبب سعالًا مُستمرًا وإرهاقًا وأزيزًا وضيقًا في التنفس. اكتسب هذا المرض لقبه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد أن أصيبت به مجموعة من عمال مصنع فشار الميكروويف نتيجة استنشاق كميات كبيرة من ثنائي الأسيتيل لفترات طويلة، وهي مادة كيميائية ذات نكهة زبدية تُستخدم في إنتاج الأغذية. ومع ذلك، فإن المقارنة بين رئة الفشار واستخدام السجائر الإلكترونية تفتقر إلى دليل علمي موثوق.
الخوف من رئة الفشار غير حقيقي
يشير المقال الأخير الذي انتشر على نطاق واسع في وسائل الإعلام إلى إصابة مراهق أمريكي برئة الفشار بعد سنوات من استخدام السجائر الإلكترونية سرًا. ومع ذلك، عند التدقيق، تنشأ شكوك جدية حول صحة هذا الادعاء.
حذر الدكتور Brad Rodu، خبير الحد من أضرار التبغ، من أن التشخيص، حسبما ورد، لم يأتِ من أطباء، بل من والدة المراهق. ولم يُنشر أي بيان رسمي أو تقرير طبي، يلقي الشك على صحة الحالة. بناءً على التقارير الإعلامية فقط، لا يمكن تقديم رأي طبي مهني حول أي مرض خاصة بهذه الخطورة. جاء تشخيص رئة الفشار (المصطلح الطبي هو التهاب القصيبات المسد) من والدة الطفل، دون أي إشارة أو إقتباس من فريق الرعاية الصحية للطفل،” كما صرّح لموقع Vaping Post.
أكد Rodu أنه حتى دخان السجائر – الذي يحتوي على مستويات أعلى بكثير من ثنائي الأسيتيل من السجائر الإلكترونية – لم يُربط برئة الفشار ابدا. في الواقع، لم تُسجل أي حالة مؤكدة لرئة الفشار بين المدخنين أو مستخدمي السجائر الإلكترونية، على الرغم من عقود من الاستخدام وملايين المستخدمين. علاوة على ذلك، على الرغم من احتواء دخان السجائر على ثنائي الأسيتيل، وهو السبب وراء رئة الفشار، إلا أن التدخين طويل الأمد لا يرتبط بهذا المرض. وأخيرًا، لم تُسجل أي حالة إصابة برئة الفشار بين مستخدمي السجائر الإلكترونية سابقًا.
المخاوف ليست علمًا
اصل هذا الذعر الذي ربط السجائر الإلكترونية بـ رئة الفشار من دراسات مبكرة أُجريت عامي 2014 و2015، والتي وجدت ثنائي الأسيتيل في بعض منتجات السوائل الإلكترونية. كانت هذه النتائج مثيرة للقلق في ذلك الوقت، وهو أمر مفهوم، مما دفع إلى استجابة سريعة وواسعة النطاق في قطاع السجائر الإلكترونية. ومنذ ذلك الحين، أزال المصنعون مادة ثنائي الأسيتيل من منتجاتهم، وتُظهر الأبحاث الحديثة وجودًا ضئيلًا أو معدومًا لهذه المادة الكيميائية في منتجات السجائر الإلكترونية بعد عام 2018.
علاوة على ذلك، لا يُعادل وجود ثنائي الأسيتيل ضررًا صحيًا فعليًا بالمستويات التي رُصدت سابقًا في السجائر الإلكترونية. تحتوي خرطوشة السجائر الإلكترونية النموذجية على حوالي تسعة ميكرو غرامات من ثنائي الأسيتيل، بينما تحتوي سيجارة واحدة قابلة للاشتعال على حوالي 336 ميكروغرامًا – أي ما يقرب من 40 ضعفًا. لو كانت هذه المادة الكيميائية تُسبب مرض رئة الفشار بجرعات صغيرة كهذه، لكان المدخنون قد عانوا من تفشي المرض على نطاق واسع. ومع ذلك، لا يوجد أي ارتباط من هذا القبيل.
أكدت هيئات الصحة العامة، بما في ذلك وزارة الصحة الكندية، ووزارة الصحة النيوزيلندية، ووكالة الأمن الصحي البريطانية، عدم وجود دليل يربط استخدام السجائر الإلكترونية بمرض رئة الفشار على الاطلاق. وهذه ليست آراءً اشخاص عاديين، بل استنتاجات من قبل منظمات صحية وطنية تستند إلى بيانات وأبحاث واسعة النطاق.
لماذا تستمر هذه الخرافة إذا؟
يلعب الإعلام دورًا رئيسيًا في ترسيخ هذه الخرافة. فقصص الشباب الذين يزعمون إصابتهم بأمراض خطيرة بسبب السجائر الإلكترونية تلفت الانتباه، وتؤجج الخوف، وتجذب التفاعل. للأسف، غالبًا ما تُشوه هذه العناوين الواقع وتُلقي بظلالها على الصورة الأوسع للصحة العامة. يُعد ربط استخدام السجائر الإلكترونية بمرض رئة الفشار تكتيكًا قويًا للتخويف، و لكنه تكتيك يُضلل ويُربك، بدلًا من أن يُثقف.
أكد خبير الصحة العامة الدكتور Michael Siegel سابقًا أنه بعد أكثر من عقد من استخدام السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ملايين المستخدمين، لم تُسجل أي حالة مؤكدة لمرض رئة الفشار الناتج عن التدخين الإلكتروني. بين عامي 2007 و 2018، بلغ معدل الإصابة المسجل صفرًا لكل ١٠٠ ألف مستخدم. وتعتبر هذه الإحصائية واضحة وحاسمة بهذا الشأن.
تذكير :
لا أحد يقول بأن السجائر الإلكترونية خالية تمامًا من المخاطر، لكنها بديل أكثر أمانًا للتدخين. فعلى عكس السجائر التقليدية، لا يحتوي استخدام السجائر الإلكترونية على عملية الاحتراق، وهي العملية الرئيسية المسؤولة عن إطلاق آلاف المواد الضارة والمسرطنة الموجودة في دخان التبغ.