في خطوة لافتة على مستوى البحث العلمي في المنطقة، نشرت مجلة Scientific Reports التابعة لسلسلة Nature دراسة جديدة تعد الأولى من نوعها في المملكة العربية السعودية، تناولت موضوع انتشار استخدام أكياس النيكوتين بين المدخنين والجمهور العام، ومدى مساهمتها في الإقلاع عن التدخين. الدراسة التي أُجريت في أغسطس 2025 شملت عينة واسعة من المشاركين السعوديين، وفتحت بابًا جديدًا للنقاش حول مكانة هذه المنتجات ضمن استراتيجيات الحد من أضرار التبغ.
ما هي اكياس النيكوتين أو الـ Nicotine pouches؟

ما هي اكياس النيكوتين او الـ Nicotine pouches؟ هي عبارة عن كيس مصنوع من مادة طبيعية، مليء بالألياف النباتية الطبيعية ويحتوي على بعض النكهات لإعطاء طعم مميز مع النيكوتين. يستخدمه المدخنون كبديل لسجائر التبغ. وعلى الرغم من أنها لا تحتوي على أي أوراق تبغ، إلا أن الأكياس التي تستخدم النيكوتين المشتق من التبغ تقع تحت سلطة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). ولهذا السبب، اتجهت العلامات التجارية التي تم طرحها مؤخرًا إلى استخدام النيكوتين الاصطناعي. تعتبر هذه المنتجات حديثة نسبيًا، حيث ظهرت لأول مرة في عام 2014 في النرويج مع العلامة التجارية Epok التي كانت تسوقها شركة British American Tobacco Norway.
بعد ذلك، دخل العديد من كبار مصنعي التبغ السويديين إلى هذا المجال، مثل Swedish Match وSkruf وAG Snus، الذين ابتكروا علامات تجارية بارزة مثل ZYN وShiro وSwave، استجابةً للطلب المتزايد على بدائل النيكوتين الخالية من التبغ. ومع مرور الوقت، أصبحت شركات التبغ الكبرى (Big Tobacco) أكثر نشاطًا في هذا السوق، وتُعتبر فيليب موريس إنترناشونال اليوم واحدة من أبرز اللاعبين فيه.
تفاصيل الدراسة السعودية
الدراسة التي نُشرت حديثًا اعتمدت على استبيان إلكتروني وُزّع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وإنستغرام وسناب شات وواتساب، باستخدام أسلوب “كرة الثلج” (snowball sampling) لتوسيع دائرة المشاركين. بلغ عدد المشاركين 657 شخصًا، من مختلف الأعمار والخلفيات. النتائج الأولية أظهرت أن ما نسبته 21.2% من المشاركين جرّبوا أكياس النيكوتين، وهي نسبة لافتة بالنظر إلى حداثة المنتج في السوق السعودي. الفئة الأكثر استخدامًا كانت من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، وهو ما يعكس جاذبية هذا النوع من البدائل بين الشباب الباحثين عن بدائل أقل ضررًا من التدخين التقليدي.
من بين الذين جربوا أكياس النيكوتين، ذكر 41% أنهم نجحوا في الإقلاع عن التدخين تمامًا، بينما قال 38.1% إنهم تمكنوا من تقليل التدخين بشكل ملحوظ ولكن دون التوقف الكامل، فيما أوضح 20.9% أنهم لم يحققوا أي نجاح يذكر. هذه النتائج، وإن كانت مشجعة، إلا أنها تعكس تفاوتًا في التجارب الفردية، وتؤكد الحاجة إلى دراسات أوسع وأكثر عمقًا لتحديد فعالية هذه المنتجات بشكل علمي صارم.
رغم أن أكياس النيكوتين لا تعتمد على حرق التبغ وبالتالي لا تنتج المواد المسرطنة المعروفة في السجائر التقليدية، إلا أن الدراسة رصدت بعض الآثار الجانبية التي أبلغ عنها المستخدمون. أبرز هذه الأعراض كانت الغثيان بنسبة 13.4%، الإرهاق بنسبة 6.7%، والصداع بنسبة 6.5%. كما ظهرت أعراض أقل شيوعًا مثل الحساسية (1.1%) والاكتئاب (1.5%). اللافت أن غالبية هذه الأعراض وُصفت بأنها خفيفة ولم تستدعِ تدخلًا طبيًا، ما يشير إلى أن المنتج قد يكون آمنًا نسبيًا عند الاستخدام المعتدل، لكن لا توجد بعد بيانات كافية حول تأثيراته طويلة الأمد.
تحليل البيانات كشف أن المدخنين الأكثر استهلاكًا للسجائر كانوا أكثر ميلًا لتجربة أكياس النيكوتين. على سبيل المثال، الذين يدخنون من 7 إلى 9 سجائر يوميًا كانت احتمالية استخدامهم للأكياس أعلى بستة أضعاف مقارنة بغيرهم. أما من يدخنون أكثر من 10 سجائر يوميًا، فكانت احتمالية الاستخدام لديهم أكبر بمرتين ونصف. في المقابل، النساء والأشخاص الأكبر سنًا والعاطلون عن العمل أو ذوو الدخل المنخفض كانوا أقل إقبالًا على هذه المنتجات. المثير للاهتمام أيضًا أن الأفراد الذين يتراوح دخلهم الشهري بين 11,000 و17,000 ريال سعودي كانوا أكثر استعدادًا لتجربة أكياس النيكوتين، وهو ما يشير إلى أن القدرة الشرائية قد تلعب دورًا في انتشارها.
خلاصة القول
تأتي هذه النتائج في وقت يشهد العالم تحولات كبرى في سياسات التبغ، حيث بدأت دول مثل الإمارات والسويد بإدماج منتجات النيكوتين البديلة ضمن إستراتيجياتها للحد من الأضرار. بالنسبة للسعودية، فإن ظهور هذه النسبة اللافتة من المستخدمين الشباب يفتح المجال أمام السلطات الصحية لدراسة إمكانية تنظيم هذه المنتجات بشكل أكثر وضوحًا، سواء من ناحية الترخيص أو مراقبة الجودة أو تحديد أعمار الشراء. كما أن اعتماد أكياس النيكوتين كجزء من برامج الإقلاع عن التدخين قد يمثل خطوة عملية لمواجهة نسب التدخين المرتفعة، خاصة بين فئة الشباب.
تكشف هذه الدراسة عن أول صورة علمية موثقة لانتشار أكياس النيكوتين في المملكة العربية السعودية، حيث تبيّن أن أكثر من واحد من كل خمسة أشخاص شملهم الاستطلاع قد جربوا هذه المنتجات. ورغم أن 41% منهم أكدوا نجاحهم في الإقلاع عن التدخين بفضلها، إلا أن النتائج لا تزال أولية وتحتاج إلى متابعة علمية أكثر دقة. الآثار الجانبية التي أبلغ عنها المستخدمون كانت في معظمها بسيطة، لكن غياب بيانات طويلة الأمد يفرض الحذر.
الأكيد أن هذه الدراسة ستثير نقاشًا واسعًا بين صناع القرار والباحثين في السعودية، حول ما إذا كانت أكياس النيكوتين ستصبح أداة معتمدة في مكافحة التدخين، أم أنها ستُعامل كمنتج آخر يحتاج إلى قيود وتنظيمات صارمة. في كل الأحوال، يظل هذا البحث خطوة أساسية نحو فهم واقع بدائل التدخين في المنطقة، ويضع المملكة على خريطة النقاش العالمي حول الحد من أضرار التبغ.
المصادر :
Alwafi, H., Naser, A.Y., Alharbi, R. et al. Prevalence, safety, and role of nicotine pouches in smoking cessation among smokers and the public in Saudi Arabia. Sci Rep 15, 29758 (2025). https://doi.org/10.1038/s41598-025-15070-0
إقلاع 400 ألف شخص عن التدخين – نموذج سعودي ناجح في الحد من أضرار التبغ