في عام 2024، تجاوزت مبيعات السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد 60% من إجمالي السوق العالمي، مما أثار تساؤلات عميقة: لماذا يفضل المستهلكون هذه الأجهزة رغم تكلفتها البيئية والاقتصادية العالية؟

هذا الاقبال على السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد او ما يطلق عليه (السحبة) بدلاً من الأنواع القابلة لإعادة الاستخدام، دعانا للبحث لفهم السبب.


التنافر المعرفي


قد تبدو رغبة البعض في شراء هذه الفئة من اجهزة الفيب غريبة بالنسبة لمستخدمي الأجهزة القابلة لإعادة التعبئة فهم يمتلكون إمكانية إعادة تعبئتها وشحنها واستبدال الكويل فيها ايضا.

عندما يدّعي شخص ما أنه لا يُدخن، ولكنه مع ذلك يشتري السجائر الإلكترونية، فإن الامر يحتوي على تناقضًا داخليًا. هذا التوتر، الذي أطلق عليه عالم النفس ليون فيستينجر اسم “التنافر المعرفي”، يُسبب شعورًا بعدم الراحة ويجب تخفيفه. أظهر فيستينجر أن البشر يجدون صعوبة في تقبّل الفجوة بين معتقداتهم وأفعالهم، وأنهم يطورون طرقًا لاستعادة الترابط.

سيعتبر مستخدم السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد فعله مجرد زلة مؤقتة. قد يُقنع نفسه بأن هذا الجهاز “ليس تدخينًا إلكترونيًا حقيقيًا”، أو أنه مجرد اختبار، أو أنه بحاجة إليه في تلك اللحظة. بهذا يُمكّنه تقليل الانطباع بأنه يمارس سلوكًا يتعارض مع مبادئه.

يُذكّر هذا الموقف بموقف المستهلك الذي يدّعي الوعي البيئي، ولكنه يشتري أحيانًا الماء بزجاجة بلاستيكية، مُطمئنًا نفسه بأنها مجرد حالة استثنائية لا تُشكك في التزامه العام.


أنا لستُ مُستخدمًا لـ السجائر الإلكترونية.


ينبثق هذا الاختيار أيضًا من عملية تُعرف باسم “تباعد الهوية”. فتفضيل منتج يُنظر إليه على أنه مؤقت هو وسيلة لرسم حدود رمزية بينهم وبين مُستخدمي السجائر الإلكترونية بانتظام. من هذا المنظور، يُصبح المنتج مؤشرًا على مكانتهم الاجتماعية: يستخدمه الشخص للإشارة إلى عدم التزامه بهذه الممارسة على المدى الطويل.

يُذكّر هذا التباعد بسلوك هاوٍ يرتاد نادٍ رياضي ويدفع فقط مقابل جلسات فردية، لتجنب اعتباره عضوًا مُلتزمًا. يُشير الاختلاف في شراء سجائر الكترونية مخصصة للاستخدام مرة واحدة وليست قابلة لإعادة التعبئة إلى انتماء الشخص إلى فئة مُختلفة: فئة المُستخدمين العرضيين.

هذا السلوك جزءٌ مما يُطلق عليه علم النفس الاجتماعي إدارة الهوية الاجتماعية. وقد أظهر هنري تاجفيل وجون تيرنر أن كلاً منا يسعى للحفاظ على صورة ذاتية إيجابية من خلال التواصل مع المجموعات التي نرغب في الانتماء إليها، والابتعاد عن أولئك الذين نعتبرهم أقل قيمة. في حالة التدخين الإلكتروني، تُعدّ السيجارة الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد وسيلةً لتجنب وصف “مدخن إلكتروني حقيقي”، الذي يُنظر إليه على أنه وصمة عار. بهذه الطريقة، يبقى نفسياً في صف غير المدخنين، مع السماح لنفسه بالاستخدام من حين لآخر.

تُشبه هذه الظاهرة ظاهرة بعض مُحبي ألعاب الفيديو الذين يحضرون فعاليات مُتخصصة، لكنهم يُصرّون على أنهم “ليسوا لاعبين”، بل مجرد مُتفرجين فضوليين.


علم نفس و النيكوتين


شراء السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد ليس مجرد فعل عملي، بل هو محاولة لتخفيف التوتر الناتج عن التناقض بين قيم المرء وأفعاله، وللحفاظ على هوية تبقى مقبولة لديه وللآخرين. باختياره شيئًا مؤقتا، يُؤكد الشخص أنه لم يتبنَّ هذه العادة كجزءٍ ثابتٍ من شخصيته. هذا يسمح له بالحفاظ على صورة السلوك المُتحكَّم فيه، دون التزامٍ دائم، واحتواء الانزعاج المُرتبط بالتناقض بين ما يعتقد أنه عليه وما يفعله.

مع أن كل هذا قد يبدو مُجرَّدًا، بل وخياليًا، إلا أن هذه السلوكيات تُشكِّل مع ذلك موضوعًا لبحوثٍ جادة، مثل بحث ليون فيستينجر حول التنافر المعرفي (نظرية التنافر المعرفي، ١٩٥٧)، أو نظرية الهوية الاجتماعية التي اقترحها تاجفيل وتيرنر (١٩٧٩)، أو بحث بليك أشفورث وفريد ​​مايل حول كيفية بناء الأفراد لهوياتهم في علاقتهم بالجماعات (نظرية الهوية الاجتماعية والتنظيم، ١٩٨٩).

إلى جانب العوامل الواضحة الأخرى مثل سهولة الاستخدام والتسويق المكثف، هناك دوافع نفسية أعمق تفسر هذا السلوك وتجعله أكثر تعقيدًا مما يبدو في الظاهر. فسهولة الحصول على هذه الأجهزة وحملها، إلى جانب الحملات الإعلانية المؤثرة، تلتقي مع حاجات غير واعية لدى المستهلكين، مثل الرغبة في الحفاظ على صورة الذات وتجنب الشعور بالذنب أو التأنيب الاجتماعي.

هذا المزيج بين العوامل العملية والنفسية ساهم في الانتشار السريع والنجاح الكبير للسجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد بين جمهور واسع، ولا يزال يساهم اليوم في تعزيز شعبية الأجهزة المشابهة وفتح أسواق جديدة أمامها.

إن السجائر الإلكترونية التقليدية ليست مجرد منتج يتم تسويقه وتوزيعه بشكل جيد، بل هو حاجة غير واضحة وغير واعية يجب معالجتها إذا أردنا استعادة السيطرة على استخدام السجائر الإلكترونية التقليدية.

فهم هذه الدوافع النفسية لا يساعد فقط على تفسير شعبية هذه الأجهزة، بل يفتح الباب لوضع سياسات تسويقية وتشريعية أكثر وعيًا تهدف إلى تقليل الضرر وتعزيز بدائل أقل خطورة.

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى اكثر من 8000 مشترك في نشرة اخبار Vaping Post. لتبقى على اطلاع بجميع أخبار السجائر الالكترونية

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments